فصل: 843- باب مَا جَاءَ فِي الصّرْف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


840- باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة

1234- حدثنا أبُو مُوسَى مُحَمّدُ بنُ مُثَنّى، حَدّثنَا عبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي، عنْ حَمّادِ بنِ سَلَمةَ، عنْ قَتَادَةَ، عنِ الْحَسَنِ، عنْ سَمُرَةَ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالحَيَوَانِ نَسِئَةً‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عنِ ابنِ عَبّاسٍ وجَابِرٍ وابنِ عُمرَ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ سَمُرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَسمَاعُ الْحَسنِ مِنْ سَمُرَةَ صحيحٌ‏.‏ هَكذَا قالَ عَلِيّ بنُ الْمَدِينِيّ وَغَيْرُهُ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَكْثرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً، وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأهْلِ الْكُوفَةِ، وبهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالحَيَوَانِ نَسيئَة، وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وَإِسْحَاقَ‏.‏

1235- حدثنا أَبُو عَمّارٍ الْحُسَيْنِ بنُ حُرَيْثِ‏.‏ حدثنا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ، عنِ الْحَجّاجِ ‏(‏وهُوَ ابنُ أَرْطَاةَ‏)‏ عنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عنْ جَابِر قالَ‏:‏ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏الْحَيَوَانُ اثْنَانِ بِواحِدٍ، لاَ يَصْلُحُ نسِيئاً‏.‏ وَلاَ بَأْسَ بهِ يَداً بيَدٍ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة‏)‏ بفتح النون وكسر السين وفتح الهمزة‏.‏ قال في القاموس‏:‏ نسأته البيع وأنسأته بعته بنسئة بالضم وبنسئة كأخرة‏.‏ وقال في مجمع البحار‏:‏ فيه ثلاث لغات نسيئة بوزن كريمة وبالادغام وبحذف الهمزة وكسر النون انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس‏)‏ أخرجه البزار والطحاوي وابن حبان والدارقطني بنحو حديث سمرة‏:‏ قال الحافظ في الفتح‏.‏ ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، فرجح البخاري وغير واحد إرساله انتهى‏.‏ ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه الترمذي وغيره قال الحافظ وإسناده لين ‏(‏وابن عمر‏)‏ أخرجه الطحاوي والطبراني‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث سمرة حديث حسن صحيح‏)‏ قال الحافظ‏:‏ ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في سماع الحسن عن سمرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وسماع الحسن من سمرة صحيح‏)‏ هكذا ‏(‏قال علي بن المديني وغيره‏)‏ سيأتي الكلام فيه في باب اختلاب المواشي بغير إذن الأرباب، قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الخ‏)‏ كذا قال الترمذي، قال الشوكاني في النيل‏:‏ ذهب الجمهور إلى جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة متفاضلاً مطلقاً‏.‏ وشرط مالك أن يختلف الجنس ومنع من ذلك مطلقاً مع النسيئة أحمد بن حنبل وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يقول أحمد‏)‏ واستدلوا بأحاديث الباب وفي الباب روايات موقوفة فأخرج عبد الرزاق من طريق ابن المسيب عن علي بن أبي طالب أنه كره بعيراً ببعيرين نسيئة‏.‏ وروى ابن أبي شيبة عنه نحوه، وعن ابن عمر عبد الرزاق وابن أبي شيبة أنه سئل عن بعير ببعيرين فكرهه ‏(‏وقد رخص بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وهو قول الشافعي وإسحاق‏)‏ واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو، قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث جيشاً على إبل كانت عندي قال فحملت الناس عليها حتى نفدت الإبل وبقيت بقية من الناس‏.‏ قال فقلت يا رسول الله الإبل قد نفدت وقد بقيت بقية من الناس لا ظهر لهم‏.‏ فقال لي ابتع علينا إبلاً بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى تنفذ هذا البعث‏.‏ قال وكنت أبتاع البعير بقلوصين وثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذت ذلك البعث فلما جاءت إبل الصدقة أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف‏.‏ وقوى الحافظ في الفتح إسناده، وقال الخطابي في إسناده مقال وأعله يعني من أجل محمد بن إسحاق، ولكن قد رواه البيهقي في سننه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏.‏ وأجابوا عن حديث سمرة بما فيه من المقال‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ المراد به النسيئة من الطرفين لأن اللفظ يحتمل ذلك كما يحتمل النسيئة من طرف‏.‏ وإذا كانت النسيئة من الطرفين فهي من بيع الكالي بالكالي وهو لا يصح عند الجميع‏.‏ وأجاب المانعون هم حديث عبد الله بن عمرو المذكور بأنه منسوخ ولا يخفي أن النسخ لا يثبت إلا بعد تقرر تأخر الناسخ ولم ينقل ذلك، فلم يبق ههنا إلا الطلب لطريق الجمع إن أمكن ذلك‏.‏ أو المصير إلى التعارض، قيل وقد أمكن الجمع بما سلف عن الشافعي ولكنه متوقف على صحة إطلاق النسيئة على بيع المعدوم بالمعدوم‏.‏ فإن ثبت ذلك في لغة العرب أو في اصطلاح الشرع فذاك وإلا فلا شك أن أحاديث النهي وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال لكنها تثبت من طريق ثلاثة من الصحابة‏:‏ سمرة وجابر بن سمرة وابن عباس‏.‏ وبعضها يقوي بعضاً فهي أرجح من حديث واحد غير خال من المقال‏.‏ وهو حديث عبد الله بن عمرو‏.‏ ولا سيما وقد صحح الترمذي وابن الجارود حديث سمرة فإن ذلك مرجح آخر‏.‏ وأيضاً قد تقرر في الأصول أن دليل التحريم أرجح من دليل الإباحة وهذا أيضاً مرجح ثالث، كذا في النيل قوله‏:‏ ‏(‏الحيوان اثنين بواحدة لا يصلح نسيئاً‏)‏ تمسك به من منع بيع الحيوان بالحيوان متفاضلاً نسيئاً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ في سنده الحجاج بن أرطاة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس‏.‏ وروي هذا الحديث عن أبي الزبير بالعنعنة‏.‏

841- باب مَا جَاءَ فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدَين

1236- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ، عنْ أبِي الزّبَيْرِ، عنْ جَابِرٍ قالَ‏:‏ جَاءَ عَبْد فَبَايَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْهِجْرةِ‏.‏ وَلاَ يَشْعُرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ عَبْدٌ‏.‏ فَجَاءَ سَيّدُهُ يُرِيدُهُ‏.‏ فقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏بِعْنِيهِ‏"‏‏.‏

فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أسْوَدَيْنِ‏.‏ ثُمّ لَمْ يُبَايِعْ أَحَداً بَعْدُ، حَتّى يَسْأَلَهُ ‏"‏أعَبْدٌ هُوَ‏"‏‏؟‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ أنَسٍ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ جَابِرٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ، أنّهُ لاَ بَأْسَ بِعَبْدٍ بعبْدَيْنِ، يَداً بِيدٍ‏.‏ واخْتَلَفُوا فِيهِ إذَا كانَ نَسِيئاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاشتراه بعبدين أسودين‏)‏ فيه دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلاً إذا كان يداً بيد‏.‏ وهذا مما لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة‏.‏ وقد تقدم بيانه في الباب المتقدم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث جابر حديث حسن صحيح‏)‏‏.‏ وأخرجه مسلم‏.‏

842- باب ما جَاءَ أَنّ الْحِنْطَةَ بِالحنْطَةِ مِثْلاً بِمِثْل

وَكَرَاهِيَةَ التّفَاضُلِ فِيهِ 1237- حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ حدثنا عبد الله بنُ الْمُبَارَكِ أخبرنا سُفْيَان عنْ خَالِدٍ الْحَذّاءِ، عنْ أبي قِلاَبَةَ، عنْ أبي الأَشْعَثِ، عنْ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏الذّهَبُ بالذّهَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ والْفِضّةُ بِالْفِضّةِ مِثْلاً بِمِثْلٍ‏.‏ والتّمْرُ بِالتّمْرِ مِثْلاً بِمِثْلٍ‏.‏ والْبُرّ بِالبُرّ مِثْلاً بِمِثْل، والْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلاً بِمِثْل، والشّعِيرُ بِالشّعِيرِ مِثْلاً بِمثْلٍ‏.‏ فَمنِ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى‏.‏ بِيعُوا الذّهَبَ بِالْفِضّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ، يَداً بِيَدٍ‏.‏ وبِيعُوا البُرّ بِالتّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَداً بِيَدٍ، وبيعُوا الشّعِيرَ بِالتّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَداً بِيدِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ أَبي سَعِيدٍ وأبي هُرَيْرةَ وبِلاَلٍ وأنس‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ عُبَادَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عنْ خَالِدٍ بِهَذَا الإسْنَادِ، قالَ ‏"‏بِيعُوا البُر بِالشّعيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَداً بِيَدٍ‏"‏‏.‏

وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبي الأَشْعَثِ، عَنْ عُبَادَةَ، عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم الحديث، وَزَادَ فيهِ ‏(‏قالَ خَالِدٌ‏:‏ قالَ أَبُو قِلاَبَةَ‏:‏ بِيعُوا الْبُرّ بالشّعِير كَيْفَ شِئْتُمْ‏)‏ فَذَكَرَ الحَدِيثَ‏.‏ وَالعَمَلُ عَلَى هَذا عِنْدَ أَهْلِ العِلْم‏.‏ لاَ يَرَوْنَ أَنْ يُبَاعَ البُرّ بِالبُرّ إِلاّ مِثْلاً بِمثْلٍ‏.‏ وَالشّعِيرُ بالشّعِيرِ إلاّ مثلاً بِمِثْلٍ‏.‏ فإذَا اخْتَلَفَ الأَصْنافُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُباعَ مُتَفَاضِلاً إِذَا كَانَ يَداً بِيَدٍ‏.‏ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وَالشّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَإسْحاقَ‏.‏ قالَ الشّافِعِيّ‏:‏ وَالحُجّةُ فِي ذلِكَ قَوْلُ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏بِيعُوا الشّعِيرَ بالبُرّ كَيْفَ شِئْتُمْ، يَداً بِيَدِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وَقَدْ كرهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنْ تُبَاعَ الحنْطَةُ بالشّعِيرِ إلاّ مِثْلاً بمثْلٍ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ مالِكِ بْنِ أَنَسٍ‏.‏ وَالقَوْلُ الأَوّلُ أَصَحّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الذهب بالذهب‏)‏ بالرفع على تقدير يباع وبالنصب على تقدير بيعوا ‏(‏فمن زاد‏)‏ أي أعطى الزيادة ‏(‏أو ازداد‏)‏ أي طلب الزيادة ‏(‏فقد أربى‏)‏ أي أوقع نفسه في الربا، وقال التوربشتي أي أتى الربا وتعاطاه‏.‏ ومعنى اللفظ أخذ أكثر مما أعطاه من ربا الشيء يربوا إذا زاد‏.‏ ‏(‏بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد‏)‏ أي حالاً مقبوضاً في المجلس قبل افتراق أحدهما عن الاَخر‏.‏ وفي رواية مسلم فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد‏)‏ مرفوعاً بلفظ الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقال أربي‏.‏ الاَخذ والمعطي فيه سواء‏.‏ أخرجه مسلم ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه مسلم ‏(‏وبلال‏)‏ أخرجه البزار في مسنده كذا في نصب الراية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول مالك بن أنس‏)‏ وهو قول الليث والأوزاعي‏.‏ وحجتهم أن الحنطة والشعير هما صنف واحد ‏(‏والقول الأول‏)‏ وهو أن الحنطة والشعير صنفان يجوز بيع أحدهما بالاَخر متفاضلاً‏.‏ وهو قول الجمهور ‏(‏أصح‏)‏ من القول الثاني‏.‏ لأنه يدل على القول الأول قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بيعوا البر بالشعير كيف شئتم‏"‏‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمر عند البخاري وغيره‏:‏ ‏"‏البر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء‏"‏‏.‏ وقال الحافظ في الفتح واستدل به على أن البر والشعير صنفان‏.‏ وهو قول الجمهور وخالف في ذلك مالك والليث والأوزاعي فقالوا هما صنف واحد انتهى‏.‏

843- باب مَا جَاءَ فِي الصّرْف

‏(‏باب ما جاء في الصرف‏)‏ هو بيع الذهب بالفضة وبالعكس، قاله العيني

1238- حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ‏.‏ أخبرنا حُسَيْنُ بْنُ مُحمّدٍ‏.‏ أخبرنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أبي كَثِيرٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ‏:‏ انْطَلَقْتُ أَنَا وابْنُ عُمرَ إلَى أَبي سَعِيدٍ‏.‏ فَحَدّثَنَا أَنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏(‏سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ هَاتَان‏)‏ يَقولُ ‏"‏لاَ تَبِيعُوا الذّهَبَ بِالذّهَبِ إلاّ مِثْلاً بمِثْلٍ‏.‏ وَالْفِضّةَ بالفِضةِ إلاّ مِثْلاً بمثْلٍ‏.‏ لاَ يُشَفّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ‏.‏ وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهُ غائِباً بِنَاجِزٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وفي البابِ عَنْ أَبي بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ وَ أَبي هُرَيْرَةَ وِ هِشَام بْنِ عَامِرٍ وَ البَرَاءِ وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ وَ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْد و أَبي بكْرَةَ و ابنِ عُمَرَ و أَبي الدّرْدَاءِ و بلاَل قال‏:‏ وحَدِيثُ أَبي سَعِيدٍ عَنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الرّبا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَهلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏.‏ إِلاّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْساً أَنْ يُبَاعَ الذّهَبُ بِالذّهَبِ مُتَفَاضِلا، والفِضّةُ بِالفِضّةِ مُتَفَاضِلاً، إذَا كَانَ يَداً بيَدٍ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ إِنما الرّبَا فِي النّسِيئَةِ‏.‏ وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ مِنْ هذَا‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ حِينَ حَدّثَهُ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيّ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ والْقَوْلُ الأوّلُ أَصَحّ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وابْنِ الْمبَارَكِ والشّافِعِيّ وأَحْمَدَ وإِسْحاقَ‏.‏ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمبَارَكِ أنّهُ قَالَ‏:‏ لَيْسَ فِي الصّرْفِ اخْتِلاَفٌ‏.‏

1239- حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِي الخَلاّلُ‏.‏ حدّثَنَا يَزِيدُ بنُ هَارُون‏.‏ أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ‏:‏ كُنْتُ أَبِيعُ الإِبِلَ بِالبَقيعِ‏.‏ فَأَبِيعُ بالدّنَانِيرِ‏.‏ فآخُذُ مَكَانَهَا الوَرِقَ وأبِيعُ بالوَرقِ فَآخُذُ مَكانَهَا الدّنَانِيرَ‏.‏ فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَوَجّدْتُهُ خَارجاً مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ‏.‏ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ‏"‏لاَ بَأْسَ بِهِ بالقِيمَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاّ مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْن حَرْبٍ عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عنْ ابنِ عُمَرَ‏.‏ وَرَوَى دَاوُدُ بنُ أَبي هِنْدٍ هذَا الْحَدِيثَ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابنَ عُمَرَ، مَوْقُوفاً‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أنْ لاَ بَأْسَ أَنْ يَقْتَضِيَ الذّهَبَ مِنْ الْوَرِقِ، والْوَرِقَ مِنَ الذّهَبِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وإسْحاقَ‏.‏ وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، ذلِكَ‏.‏

1240- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنا اللّيْثُ عَنِ ابنِ شِهَاب، عَنْ مالِكِ بن أَوْسِ بنِ الْحَدَثَانِ، أَنّهُ قَالَ‏:‏ أَقبَلْتُ أَقولُ‏:‏ مَنْ يَصْطَرِفُ الدّرَاهِمَ‏؟‏ فَقَالَ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ الله، وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ‏:‏ أرِنَا ذَهَبَكَ ثم ائْتِنَا إذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعْطِكَ وَرِقَكَ‏.‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ كَلاّ، والله لَتُعْطِيَنّهُ وَرِقَهُ أَوْ لَتَرُدّنّ إلَيْهِ ذَهَبَهُ‏.‏ فإِنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏الْوَرِقُ بالذّهَبِ رِباً إِلاّ هَاءَ وَهَاءَ‏.‏ وَالبرّ بالبُرّ رِباً إلاّ وَهَاءَ وهاء‏.‏ وَالشّعِيرُ بالشّعِيرِ رِباً إِلاّ هَاءَ وَهَاءَ‏.‏ والتّمْرُ بِالتّمْرِ رِباً إِلاّ هَاءَ وهَاءَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهلِ العِلْمِ‏.‏ وَمَعْنى قَوْلِهِ ‏(‏إِلاّ هَاءَ وَهَاءَ‏)‏ يَقُولُ يَداً بِيَدٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انطلقت أنا وابن عمر إلى أبي سعيد‏)‏ وأخرجه مسلم من طريق الليث عن نافع أن ابن عمر قال له رجل من بني ليث‏:‏ إن أبا سعيد الخدري يأثر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ نافع فانطلق عبد الله وأنا معه والليث‏.‏ حتى دخل على أبي سعيد الخدري فقال‏:‏ إن هذا أخبرني أنك تخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الورق بالورق إلا مثلاً بمثل الحديث‏.‏ فأشار أبو سعيد بأصبعيه إلى عينيه وأذنيه فقال‏:‏ أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخ‏.‏ ‏(‏لا تبيعوا الذهب بالذهب‏)‏ يدخل في الذهب جميع أصنافه من مضروب ومنقوش وجيد ورديء وصحيح ومكسر وحلى وتبر وخالص ومغشوش‏.‏ ونقل النووي تبعاً لغيره في ذلك الإجماع ‏(‏إلا مثل بمثل‏)‏ أي إلا حال كونهما متماثلين أي متساويين ‏(‏والفضة بالفضة‏)‏ المراد بالفضة جميع أنواعها مضروبة وغير مضروبة ‏(‏لا يشف بعضه على بعض‏)‏ بصيغة المضارع المجهول من الإشفاف وهو التفضيل يقال شف الدرهم يشف إذا زاد وإذا نقص من الأضداد‏.‏ وأشفه غيره يشفه كذا في عمدة القاري‏.‏ ‏(‏ولا تبيعوا منه غائباً‏)‏ أي غير حاضر ‏(‏بناجز‏)‏ أي حاضر من النجز بالنون والجيم والزاي‏.‏ قال الحافظ في الفتح أي مؤجلاً بحال والمراد بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقاً، مؤجلاً كان أو حالاً، والناجز الحاضر إنتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب من أبي بكر الخ‏)‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ وفي الباب عن عمر رضي الله عنه في الستة، وعن علي في المستدرك، وعن أبي هريرة في مسلم، وعن أنس في الدارقطني، وعن بلال في البزار وعن أبي بكرة متفق عليه‏.‏ وعن ابن عمر في البيهقي وهو معلول إنتهى‏.‏ قلت‏:‏ وحديث زيد بن أرقم والبزار مرفوعاً بلفظ‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا‏.‏ أخرجاه في الصحيحين، وأما أحاديث باقي الصحابة رضي الله عنهم فلينظر من أخرجها، قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم، قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلا ما روي عن ابن عباس الخ‏)‏ اعلم أن بيع الصرف له شرطان، منع النسيئة مع اتفاق النوع واختلافه وهو المجمع عليه، ومنع التفاضل في النوع الواحد منهما وهو قول الجمهور‏.‏ وخالف فيه ابن عمر ثم رجع وابن عباس واختلف في رجوعه وقد وقد روى الحاكم من طريق حيان العدوى سألت أبا مجلز عن الصرف فقال‏:‏ كان ابن عباس لا يرى به بأساً زماناً من عمره ما كان منه عيناً بعين يداً بيد‏.‏ وكان يقول‏:‏ إنما الربا في النسيئة‏.‏ فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث وفيه‏:‏ التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يداً بيد مثلاً بمثل فمن زاد فهو ربا‏.‏ فقال ابن عباس‏:‏ أستغفر الله وأتوب إليه‏.‏ فكان ينهى عنه أشد النهي‏.‏ كذاغ قال الحافظ في فتح الباري‏.‏ فإن قلت فما وجه التوفيق بين حديث أبي سعيد المذكور وبين حديث أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏قال لا ربا إلا في النسيئة‏"‏‏.‏ أخرجه الشيخان وغيرهما‏:‏ قلت‏:‏ اختلفوا في الجمع بينهما فقيل‏:‏ إن حديث أسامة منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال‏.‏ وقيل‏:‏ المعنى في قوله‏:‏ لا ربا الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب‏:‏ لا عالم في البلد إلا زيد‏.‏ مع أن فيها علماء غيره وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل‏.‏ وأيضاً فنفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق، ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدم‏.‏ وقال الطبري‏:‏ معنى حديث أسامة لا ربا إلا في النسيئة إذا اختلفت أنواع البيع والفضل فيه يداً بيد ربا، جمعاً بينه وبين حديث أبي سعيد ذكره الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالبقيع‏)‏ بالموحدة والمراد به بقيع الغرقد، فإنهم كانوا يقيمون السوق فيه قبل أن يتخذ مقبرة وروى النقيع بالنون وهو موضع قريب من المدينة يستنقع فيه الماء أي يجتمع كذا في النهاية‏.‏ ‏(‏فأبيع بالدنانير‏)‏ أي تارة ‏(‏فآخذ مكانها‏)‏ أي مكان الدنانير ‏(‏الورق‏)‏ أي الفضة وهو بفتح الواو وكسر الراء وبأسكانها على المشهور ويجوز فتحهما وقيل بكسر الواو المضروبة وبفتحها المال ‏(‏وأبيع بالورق‏)‏ أي تارة أخرى ‏(‏فقال لا بأس به بالقيمة‏)‏ أي لا بأس أن تأخذ بدل الدنانير الورق بالعكس بشرط التقابض في المجلس‏.‏ وفي المشكاة فقال‏:‏ لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء‏.‏ قال ابن الملك أي شيء من علقة الاستبدال وهو التقابض في المجلس في بيع النقد بالنقد ولو مع اختلاف الجنس انتهى‏.‏ قال الطيبي رح‏:‏ فإنما نكره أي لفظ شيء وأبهمه للعلم بالمراد وإن تقابض النقدين في المجلس مما هو مشهور لا يلتبس على كل أحد كذا في المرقاة والضمير المنصوب في قوله أن تأخذها راجع إلى أحد النقدين عن الدراهم والدنانير على البدل كما ذكره الطيبي رحمه الله‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بغيره وظاهره أنهما غير حاضرين جميعاً بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما في الذمة كالحاضر انتهى قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث سِمَاك الخ‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد وصححه الحاكم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ‏)‏ قال في النيل وهو محكى عن عمر وابنه عبد الله والحسن والحكم وطاؤس والزهري ومالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد وغيرهم‏.‏ وروى عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب وأحد قولي الشافعي أنه مكروه أي الاستبدال المذكور والحديث يرد عليهم‏.‏ واختلف الأولون فمنهم من قال يشترطان أن يكون بسعر يومها كما وقع في الحديث، وهو مذهب أحمد‏.‏ وقال أبو حنيفة والشافعي أنه يجوز بسعر يومها وأغلى وأرخص وهو خلاف ما في الحديث من قوله بسعر يومها‏.‏ وهو أخص من حديث‏:‏ إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا يداً بيد‏.‏ فيبني العام على الخاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مالك بن أوس بن الحدثان‏)‏ بفتح المهملة والمثلثة، النصري بالنون المدني له رؤية وروى عن عمر ‏(‏من يصطرف الدراهم‏)‏ من الاصطراف وكان أصله بالتاء فابدلت التاء بالطاء ‏(‏أرنا ذهبك ثم ائتنا إذا جاء خادمنا‏)‏ وفي رواية مالك في الموطإ‏:‏ فتراوضنا حتى اصطرف مني، وأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال حتى يأتي خازني من الغابة‏.‏ وإنما قال ذلك طلحة لظنه جواز ذلك كسائر البيوع وما كان بلغه حكم المسألة ‏(‏نعطك ورقك‏)‏ الورق بكسر راء ويسكن وبكسر واو مع سكون، والرقة بكسر راء وخفة قاف الدرهم المضروب ‏(‏إلا هاء وهاء‏)‏ قال النووي‏:‏ فيه لغتان المد والقصر والمد أفصح وأشهر وأصله هاك فأبدلت الكاف من المد ومعناه‏:‏ خذ هذا ويقول لصاحبه مثله‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم‏)‏ يعني على أنه لا يجوز بيع الناجز بالغائب في الصرف‏.‏

844- باب مَا جَاءَ في ابْتِيَاعِ النّخْلِ بَعْدَ التّأْبِيرِ، والْعَبْدِ ولَهُ مَال

1241- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حَدّثَنَا اللّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عنْ أَبِيهِ قالَ‏:‏ سِمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنِ ابتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تؤبّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلّذِي بَاعَهَا، إلاّ أَنْ يَشْترِطَ المُبْتَاعُ‏.‏ وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْداً وَلَهُ مَالٌ فمالُهُ لِلّذِي بَاعَهُ، إلا أنْ يَشْترِطَ المبْتَاعُ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ جَابِرٍ وحَدِيثُ ابنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ هَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيرِ وَجْهٍ عَن الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ ‏"‏مَنِ ابتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تؤَبّرَ فَثَمَرَتهَا لِلْبَائِعِ إلاّ أَنْ يْشترِطَ المُبْتَاعُ، ومَنْ بَاعَ عَبْداً ولَهُ مَالٌ فَمَالُهُ للذي باعه، إلاّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمبَتاعُ‏"‏‏.‏ وقد رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبّرَتْ فَثَمَرَتهَا لِلْبَائِعِ، إلاّ أَنْ يَشْترِطَ المبْتَاعُ‏"‏‏.‏

وقد رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، أَنّهُ قَالَ‏:‏ مَنْ بَاعَ عَبْداً ولَهُ مَالٌ، فمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلاّ أنْ يَشْترِطَ المبْتَاعُ‏.‏ هَكَذَا رَوَاه عُبَيْدُ الله بنُ عُمَر وغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ، الْحَدِيثَيْنِ‏.‏

وقَدْ رَوىَ بَعْضُهُمْ هذَا الْحَدِيثَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عمَرَ، عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَيْضاً‏.‏

ورَوَى عِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ عَنِ ابنِ عمَرَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ سَالمٍ‏.‏ والعَمَلُ عَلى هذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أهلِ العِلْمِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحاقَ‏.‏

قَالَ مُحَمّدُ بن اسماعيل حَدِيثُ الزّهْرِيّ عَنْ سَالِمٍ عنْ أبِيهِ، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أصَحّ ما جاء في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من ابتاع‏)‏ أي اشترى ‏(‏بعد أن تؤبر‏)‏ بصيغة المجهول من التأبير وهو تلقيح النخل، وهو أن يوضع شيء من طلع فحل النخل في طلع الأنثى إذا انشق فتصلح ثمرته بإذن الله تعالى‏.‏ ‏(‏فثمرتها للذي باعها‏)‏ فيه دليل على أن من باع نخلاً وعليها ثمرة مؤبرة لم تدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع، ويدل بمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة تدخل في البيع وتكون للمشتري وبذلك قال جمهور العلماء، وخالفهم الأوزاعي وأبو حنيفة فقالا‏:‏ تكون للبائع قبل التأبير وبعده‏.‏ وقال ابن أبي ليلى‏:‏ تكون للمشتري مطلقاً‏.‏ وكلا الإطلاقين مخالف لأحاديث الباب‏.‏ وهذا إذا لم يقع شرط من المشتري بأنه اشترى الثمرة ولا من البائع بأنه استثنى لنفسه الثمرة، فإن وقع ذلك كانت الثمرة للشارط من غير فرق بين أن تكون مؤبرة أو غير مؤبرة‏.‏ قال في الفتح‏:‏ لا يشترط في التأبير أن يؤبر أحد بل لو تأبر بنفسه لم يختلف الحكم عند جميع القائلين به‏.‏ كذا في النيل‏.‏ ‏(‏إلا أن يشترط المبتاع‏)‏ أي المشتري بأن يقول‏:‏ اشتريت النخلة بثمرتها هذه ‏(‏وله مال‏)‏ قال القاري‏:‏ اللام للاختصاص فإن العبد لا ملك له خلافاً لمالك‏.‏ ‏(‏فماله‏)‏ بضم اللام ‏(‏للذي باعه‏)‏ أي باق على أصله وهو كونه ملكاً للبائع قبل البيع‏.‏ قال القاري‏.‏ وهذا على رأي من قال‏:‏ إن العبد لا ملك له قال في شرح السنة‏:‏ فيه بيان أن العبد لا ملك له بحال، قإن السيد لو ملكه لا يملك لأنه مملوك‏.‏ فلا يجوز أن يكون مالكاً كالبهائم‏.‏ وقوله ‏"‏وله مال‏"‏ إضافة مجاز لا إضافة ملك، كما يضاف السرج إلى الفرس، والإكاف إلى الحمار، والغنم إلى الراعي‏.‏ يدل عليه أنه قال‏:‏ فماله للبائع أضاف الملك إليه وإلى البائع في حالة واحدة ولا يجوز أن يكون الشيء والواحد كله ملكاً للاثنين في حالة واحدة‏.‏ فثبت أن إضافة المال إلى العبد مجاز أي للاختصاص، وإلى المولى حقيقة أي الملك‏.‏ قال النووي رحمه الله‏:‏ مذهب مالك والشافعي في القديم أن العبد إذا ملكه سيدة مالا ملكه، لكنه إذا باعه بعد ذلك كان ماله للبائع إلا أن يشترط لظاهر الحديث‏.‏ وقال الشافعي إن كان المال دراهم لم يجز بيع العبد وتلك الدراهم بدراهم‏.‏ وكذا إن كان الدنانير أو الحنطة لم يجز بيعهما بذهب أو حنطة‏.‏ وقال مالك‏:‏ يجوز إن اشترطه المشتري وإن كان دراهم والثمن دراهم لإطلاق الحديث كذا في المرقاة‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ والظاهر القول الأول يعني قول مالك لأنه نسبة المال إلى الملوك تقتضي أنه يملك، وتأويله بأن المراد أن يكون شيء في يد العبد من مال سيده وأضيف إلى العبد للاختصاص والانتفاع، لا للملك كما يقال‏:‏ الجل للفرس خلاف الظاهر انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عمر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وروى البخاري المعنى الأول وحده كذا في المشكاة‏.‏

845- باب مَا جَاءَ في البيّعينِ بِالْخِيارِ مَا لَم يَتفَرّقَا

‏(‏باب ما جاء البيعين بالخيار ما لم يتفرقا‏)‏ البيعان بفتح الموحدة وتشديد التحتية البائع والمشتري

1242- حدثنا واصلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلى‏.‏ حدثنا مُحَمّدُ بنُ فُضَيْلٌ عنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْن عمرَ قالَ‏:‏ سَمعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏البَيعانِ بالْخِيارِ مَا لَمْ يَتَفَرّقَا أوْ يَخْتَارَا‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ فَكانَ ابنُ عُمرَ إذَا ابْتَاعَ بَيْعاً وهُوَ قَاعِدٌ، قَامَ لِيَجِبَ لَهُ البَيْعُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عنْ أبي بَرْزَةَ وَحَكِيمِ بنِ حزَامٍ وعَبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ وعَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ وسَمُرَةَ وأبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ ابنِ عُمرَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وقَالُوا‏:‏ الْفُرْقَةُ بِالأَبْدَانِ لاَ بالْكَلاَمِ‏.‏

وقَدْ قالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏(‏مَا لَمْ يَتَفَرّقَا‏)‏ يَعْنِي الْفُرْقَةَ بالْكَلاَمِ‏.‏ والْقَوْلُ الأَوّلُ أصَحّ، لأن ابنَ عُمرَ هُوَ رَوَى عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا رَوَى‏.‏ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنّهُ كانَ إذَا أرَادَ أنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ، مَشَى لِيَجِبَ لَهُ‏.‏ وهكذَا وَرُوِيَ عنْ أبي بَرْزَةَ‏.‏

1243- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدّثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ شُعْبَةَ عن قَتَادَة، عنْ صَالِحٍ أبي الْخَلِيلِ، عنْ عَبْدِ الله بنِ الْحَارِثِ، عنْ حَكِيم بنِ حِزامٍ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏الْبَيّعَانِ بالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرّقَا‏.‏ فإِنْ صَدَقَا وَبَيّنَا، بُورِكَ لَهُمَا في بَيْعهِمَا، وإنْ كتما وكَذبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعهِمَا‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

وَهَكَذَا رُويَ عَنْ أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ أَنّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ في فَرَسٍ بَعْدَ مَا تَبَايَعَا‏.‏ وَكانُوا في سَفينَةٍ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ لاَ أرَاكُمَا افترَقْتُمَا‏.‏ وَقَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏الْبَيّعَانِ بالْخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرّقَا‏"‏‏.‏

وَقَدْ ذَهبَ بعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أهْلِ الكُوفَةِ وغَيْرِهِمْ، إلى أَنّ الْفُرْقَةَ بالكلامِ، وهُوَ قَوْلُ سفيان الثّوْرِيّ‏.‏

وَهكذَا رُوِيَ عَنْ مالِكِ بْنِ أنَسٍ‏.‏ وَرُوِيَ عَن ابن الْمُبَارَكِ أنّهُ قالَ‏:‏ كَيْفَ أَرُدّ هذَا‏؟‏ والْحَدِيثُ فيهِ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم صحيح وقوّى هذا المذْهَبَ‏.‏

وَمَعْنَى قَوْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏(‏إلاّ بَيْعَ الْخِيَارِ‏)‏ مَعْنَاهُ أَنْ يخَيّرَ الْبَائِعُ المُشْترِيَ بَعْدَ إيجَابِ الْبَيْعِ‏.‏ فإِذَا خَيّرَهُ فاخْتَارَ الْبَيْعَ، فَلَيْسَ لَهُ خِيَارٌ بَعْدَ ذلِكَ في فَسْخِ الْبَيْعِ‏.‏ وإن لَمْ يَتَفَرّقَا‏.‏ هكَذَا فَسّرَهُ الشافِعِيّ وغَيْرُه‏.‏ ومِمّا يُقَوّى قَوْلَ مَنْ يَقُولُ ‏(‏الْفُرْقَةُ بالأبْدَانِ لاَ بِالكَلاَمِ‏)‏ حدِيثُ عَبدِ الله بنِ عَمْروٍ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

1244- أخبرنا بِذلِكَ قُتَيْبَةُ، عن سعيد حدّثنَا اللّيْثُ بنُ سَعدٍ عنِ ابنِ عَجْلاَنَ، عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ، عنْ أَبيهِ، عنْ جَدّهِ أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏الْبَيّعَانِ بالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرّقَا، إلاّ أنْ تَكُونَ صَفقَةَ خِيَارٍ‏.‏ ولاَ يَحِلّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏ وَمَعْنَى هذَا، أنْ يُفَارِقَهُ بعْدَ البَيْعِ خَشيَةَ أنْ يَسْتقِيلَهُ، ولَوْ كانَتِ الفُرْقَةُ بِالكلاَمِ، ولمْ يكُنْ لَهُ خِيارٌ بَعْدَ البيْع، لَمْ يَكُنْ لِهذَا الْحَدِيثِ مَعنى‏.‏ حَيْثُ قَالَ صلى الله عليه وسلم ‏(‏وَلاَ يَحِلّ لَهُ أنْ يُفَارِقَهُ خَشْيةَ أنْ يَسْتَقِيلَهُ‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏البيعان بالخيار‏)‏ بكسر الخاء المعجمة اسم من الاختيار أو التخيير وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، والمراد بالخيار هنا خيار المجلس والبيع هو البائع أطلق على المشتري على سبيل التغليب‏.‏ أو لأن كل واحد من اللفظين يطلق على الاَخر‏.‏ قال العراقي لم أر في شيء من طرق الحديث البائعان وإن كان لفظ البائع أشهر وأغلب من البيع وإنما استعملوا ذلك بالقصر والإدغام من الفعل الثلاني المعتل العين في ألفاظ محصورة كطيب وميت وكيس وريض ولين وهين‏.‏ واستعملوا في باع الأمرين فقالوا بايع وبيع انتهى‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ البيع بمعن البائع كضيق وضائق وليس كبين وبائن فإنهما متغايران كقيم وقائم انتهى‏.‏ ‏(‏ما لم يتفرقا‏)‏ أي بالأبدان كما فهمه ابن عمر وهو راوي الحديث، وأبو برزة الأسلمي وهو راوي الحديث أيضاً كما ستقف عليه في هذا الباب ‏(‏أو يختارا‏)‏ أي مضاء البيع‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فكان ابن عمر إذا ابتاع بيعاً وهو قاعد قام ليجب له‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ وكان ابن عمر إذا اشترى شيئاً يعجبه فارق صاحبه، ولمسلم في رواية‏:‏ وكان إذا بايع رجلاً فأراد أن لا يقيله قال فمشي هنيهة ثم رجع إليه‏.‏ ولابن أبي شيبة في رواية‏:‏ كان ابن عمر إذا باع انصرف ليجب له البيع‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن حكيم بن حزام‏)‏ بكسر مهملة فزاي ‏(‏فإن صدقا‏)‏ أي في صفة البيع والثمن وما يتعلق بهما ‏(‏وبينا‏)‏ أي عيب الثمن والمبيع ‏(‏بورك‏)‏ أي كثر النفع ‏(‏لهما في بيعهما‏)‏ أي وشرائهما أو المراد في عقدهما ‏(‏محقت‏)‏ بصيغة المجهول أي أزيلت وذهبت ‏(‏بركة تبيعهما‏)‏ قال الحافظ‏:‏ يحتمل أن يكون على ظاهره وإن شؤم التدليس والكذب وقع ذلك العقد فمحق بركته‏.‏ وإن كان الصادق مأجوراً والكاذب مأزوراً ويحتمل أن يكون ذلك مختصاً بمن وقع منه التدليس والعيب دون الاَخر ورجحه ابن أبي جمرة انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وأحمد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي برزة‏)‏ أخرجه أبو داود والطحاوي وغيرهما بلفظ‏:‏ أن رجلين اختصما إليه في قرس بعد ما تبايعا، وكانا في سفينة‏.‏ فقال لا أراكما افترقتما‏.‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏البيعان بالخيار ما لم يتفرقا‏"‏ ‏(‏وعبد الله بن عمرو‏)‏ وأخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي وأحمد‏.‏ ‏(‏وسمرة‏)‏ أخرجه النسائي ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه أبو داود ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي‏.‏ وفي الباب أيضاً عن جابر أخرجه البزار والحاكم وصححه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عمر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا الفرقة بالأبدان لا بالكلام‏)‏ وبه قال ابن عمر وأبو برزة الأسلمي قال الحافظ في الفتح‏.‏ ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة انتهى‏.‏ وهو قول شريح والشعبي وطاوس وعطاء وابن أبي مليكة ونقل ابن المنذر القول به أيضاً عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة، وعن الحسن البصري والأوزاعي وابن جريج وغيرهم‏.‏ وبالغ ابن حزم فقال‏:‏ لا نعلم لهم مخالفاً من التابعين إلا النخعي وحده، ورواية مكذوبة عن شريح‏.‏ والصحيح عنه القول به كذا في فتح الباري‏.‏ قلت‏:‏ هذا القول هو الظاهر الراجح المعول عليه وقد اعترف صاحب التعليق الممجد من الحنفية بأنه أولى الأقوال حيث قال‏:‏ ولعل المنصف الغير المتعصب يستيقن بعد إحاطة الكلام من الجوانب في هذا البحث أن أولى الأقوال هو ما فهمه الصحابيان الجليلان، يعني ابن عمر وأبا برزة الأسلمي رضي الله عنهما‏.‏ وفهم الصحابي إن لم يكن حجة لكنه أولى من فهم غيره بلا شبهة وإن كان كل من الأقوال مستند إلى حجة انتهى كلامه‏.‏ ‏(‏وقد قال بعض أهل العلم‏:‏ معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يتفرقا يعني الفرقة بالكلام‏)‏ وهو قول إبراهيم النخعي‏.‏ وبه قال المالكية إلا ابن حبيب والحنفية كلهم‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ لا نعلم لهم سلفاً إلا إبراهيم وحده، ورواية مكذوبة عن شريح‏.‏ والصحيح عنه القول به‏:‏ قال الإمام محمد في موطإه وتفسيره عندنا على ما بلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا عن منطق البيع إذا قال البائع‏:‏ قد بعتك فله أن يرجع ما لم يقل الاَخر قد اشتريت، وإذا قال المشتري قد اشتريت بكذا وكذا له أن يرجع عن قوله اشتريت ما لم يقل البائع قد بعت‏.‏ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا، انتهى ما في الموطإ‏.‏ وقد أطال صاحب التعليق الممجد ههنا الكلام وأجاد واجاب عن كل ما تمسك به الحنفية فعليك أن ترجع إليه‏.‏ ‏(‏ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إلا بيع الخيار‏.‏ معناه أن يخير البائع المشتري بعد إيجاب البيع‏.‏ فإذا خيره فاختار البيع الخ‏)‏ قد اختلف العلماء في المراد بقوله‏:‏ إلا بيع الخيار‏.‏ فقال الجمهور وبه جزم الشافعي‏:‏ هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق‏.‏ والمراد أنهما إن اختارا إمضاء البيع قبل التفرق‏.‏ فقد لزم البيع حينئذ وبطل اعتبار التفرق فالتقدير إلا البيع الذي جرى فيه التخاير‏.‏ قال النووي‏:‏ اتفق أصحابنا على ترجيح هذا التأويل، وأبطل كثير منهم ما سواه‏.‏

وغلطوا قائله‏.‏ ورواية الليث ظاهرة جداً في ترجيحه قيل هو استثناء من انقطاع الخيار بالتفرق‏.‏ وقيل المراد بقوله‏:‏ أو يخير أحدهما الاَخر أي فيشترطا الخيار مدة معينة، فلا ينقضي الخيار بالتفرق بل يبقى حتى تمضي المدة‏.‏ حكاه ابن عبد البر عن أبي ثور ورجح الأول بأنه أقل في الإضمار وفيه أقوال أخرى ذكرها الحافظ في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أن تكون صفقة خيار‏)‏ بالرفع على أن كان تامة، والتقدير إلا أن توجد أو تحدث صفقة خيار وبالنصب على أن كان ناقصة وأسمها مضمر وخبرها صفقة خيار، والتقدير إلا أن تكون الصفقة صفقة خيار‏.‏ والمراد أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه‏:‏ اختر إمضاء البيع أو افسخه فاختار أحدهما تم البيع وإن لم يتفرقا‏.‏ قاله الشوكاني‏.‏ وقال القاري في المرقاة‏:‏ والمعنى أن المتبايعين ينقطع خيارهما بالتفرق إلا أن يكون البيع بيعاً شرط فيه الخيار‏.‏ وتفسير القاري هذا خلاف ما فسر به الشوكاني وكلاهما محتمل‏.‏ وقد تقدم اختلاف أهل العلم في تفسير إلا بيع الخيار وقال الطيبي‏:‏ الإضافة في صفقة خيار للبيان فإن الصفقة يجوز أن تكون للبيع أو للعهد انتهى‏.‏ وقال في النهاية إن أكبر الكبائر أن تقاتل أهل صفقتك، هو أن يعطي الرجل عهده وميثاقه ثم يقاتله، لأن المتعاهدين يضع أحدهما يده في يد الاَخر كما يفعل المتبايعان وهي المرة من النتصفيق باليدين انتهى‏.‏ ‏(‏ولا يحل‏)‏ أي في الورع قاله القاري ‏(‏له‏)‏ أي لأحد المتعاقدين ‏(‏أن يفارق صاحبه‏)‏ أي بالبدن ‏(‏خشية أن يستقيله‏)‏ بالنصب على أنه مفعول له واستدل بهذا القائلون بعدم ثبوت خيار المجلس‏.‏ قالوا لأن في هذا الحديث دليلاً على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة‏.‏ وأجيب بأن الحديث حجة عليهم لا لهم‏.‏ ومعناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع‏.‏ فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما للبيع‏.‏ وعلى هذا حمله الترمذي وغيره من العلماء قالوا‏:‏ ولو كانت الفرقة بالكلام لم يكن له خيار بعد البيع، ولو كان المراد حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد‏.‏ وقد أثبت في أول الحديث الخيار، ومده إلى غاية التفرق‏.‏ ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها على الفسخ‏.‏ وحملوا نفي الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم لا أن اختيار الفسخ حرام انتهى‏.‏ قلت‏:‏ الأمر كما قال الشوكاني‏.‏ وبهذا اندفع قول القاري في المرقاة بأنه دليل صريح لمذهبنا لأن الإقالة لا تكون إلا بعد تمام العقد‏.‏ ولو كان له خيار المجلس لما طلب من صاحبه الإقالة ووجه الاندفاع ظاهر من كلام الشوكاني‏.‏ وبكلامه أيضاً ظهر صحة قول المظهر بأن المراد من الاستقالة طلب الفسخ لا حقيقة الإقالة وهي دفع العاقدين البيع بعد لزومه بتراضيهما، أي لا ينبغي للمتقي أن يقوم من المجلس بعد العقد ويخرج من أن يفسخ العاقد الاَخر البيع بخيار المجلس، لأن هذا يشبه الخديعة انتهى‏.‏ ووجه صحة كلامه أيضاً ظاهر من كلام الشوكاني ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ قال في المنتقى بعد ذكره‏:‏ رواه الخمسة إلا ابن ماجه‏.‏ ورواه الدارقطني وفي لفظ‏:‏ حتى يتفرقا من مكانهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ومعنى هذا أن يفارقه الخ‏)‏ وكذا قال غير الترمذي من أهل العلم كما عرفت في كلام الشوكاني‏.‏

846- باب

1245- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِي‏.‏ حَدّثنَا أَبُو أحْمَدَ‏.‏ حَدّثنَا يَحْيَى بنُ أيّوبَ ‏(‏وهو البجليّ الكوفيّ‏)‏ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أبَا زُرْعَةَ بنَ عَمْرو بن جرير يُحَدّثُ عَنْ أبي هُرَيرَةَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏لاَ يَتَفَرَقَنّ عَنْ بَيْعٍ إلاّ عَنْ تَرَاضٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏

1246- حدثنا عَمْروُ بنُ حَفْصٍ الشّيْبَانيّ‏.‏ حَدّثنَا ابنُ وَهْبٍ عنِ ابن جُرَيجٍ، عَنْ أبي الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خَيّرَ أعْرَابياً بَعْدَ الْبَيْعِ‏.‏ وَهذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبا زرعة بن عمرو‏)‏ بن جرير البجلي الكوفي روى عن جده جرير وأبي هريرة من ثقات علماء التابعين قوله‏:‏ ‏(‏لا يتفرقن عن بيع إلا عن تراض‏)‏ وفي رواية أبي داود ‏(‏لا يفترقن اثنان إلا عن تراض‏)‏‏.‏ قال الطيبي قوله عن تراض صفة مصدر محذوف والاستثناء متصل أي لا يتفرقن اثنان إلا تفرقاً صادراً عن تراض انتهى‏.‏ قال القاري لمراد بالحديث والله تعالى اعلم أنهما لا يتفرقان إلا عن تراض بينهما فيما يتعلق بإعطاء الثمن وقبض المبيع وإلا فقد يحصل الضرر، وهو منهي في الشرع أو المراد منه أن يشاور مريد الفراق صاحبه ألك رغبة في المبيع‏.‏ فإن أريد الإقالة أقاله، فيوافق الحديث الأول يعني الحديث الاَتي في هذا الباب‏.‏ وهذا نهى تنزيه للإجماع على حل المفارقة من غير إذن الاَخر ولا علمه انتهى‏.‏ وقال قال الأشرف‏:‏ وفيه دليل على ثبوت خيار المجلس لهما وإلا فلا معنى لهذا القول انتهى‏.‏ قلت‏:‏ قد فهم راوي الحديث عن أبي هريرة منه ثبوت خيار المجلس وهو أبو زرعة ابن عمرو ففي سنن أبي داود‏:‏ حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي قال مروان الفزاري أخبرنا عن يحيى بن أيوب قال كان أبو زرعة إذا بايع رجلاً خيره قال ثم يقول خيرني فيقول سمعت أبا هريرة يقول الحديث‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وسكت عنه‏.‏ وقال المنذري وأخرجه الترمذي ولم يذكر أبا زرعة، وقال هذا حديث غريب انتهى كلام المنذري‏.‏ قلت قد ذكر الترمذي أبا زرعة لكنه لم يذكر قوله الذي ذكره أبو داود في روايته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير أعرابياً بعد البيع‏)‏ أي بعد تحققه بالإيجاب والقبول‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ظاهره يدل على مذهب أبي حنيفة لأنه لو كان خيار المجلس ثابتاً بالعقد كان التخيير عبثاً‏.‏ والجواب أن هذا مطلق يحمل على المقيد كما سبق في الحديث الأول من الباب انتهى‏.‏ أراد بالحديث الأول حديث ابن عمر‏:‏ المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن غريب‏)‏ وقال صاحب المشكاة بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح غريب‏.‏ وقال القاري وحسن غير موجود في بعض النسخ‏.‏

847- باب ما جَاءَ فِيمَنْ يُخْدَعُ في البَيْع

1247- حدثنا يُوسُفُ بنُ حَمّادٍ الْبَصْرِيّ‏.‏ حَدّثَنَا عبْدُ الأَعَلى بنُ عَبْدِ الأعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أنَسٍ، أنّ رَجُلاً كانَ في عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ‏.‏ وَكانَ يُبَايِعُ‏.‏ وَأن أهْلَهُ أَتَوُا النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا‏:‏ يا رسُولَ الله احْجُرْ عَلَيْهِ‏.‏ فَدَعَاهُ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فَنَهَاهُ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ يا رسولَ الله إنّي لا أَصْبرُ عَنْ الْبَيْعِ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏إذَا بَايَعْتَ فَقُل هَاءَ وَهَاءَ وَلاَ خِلاَبَةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وفي البابِ عَنِ ابنِ عمَرَ‏.‏

وحَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غرِيبٌ‏.‏ وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ الحَجْرُ عَلَى الرّجلِ الحُرّ في البَيْعِ وَالشّرَاءِ إذَا كانَ ضَعِيفَ العَقْلِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ أنْ يُحْجَرَ عَلَى الحُرّ البَالِغِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلاً كان في عقدته‏)‏ قال في النهاية أي في رأيه ونظره في مصالح نفسه انتهى‏.‏ وكان اسم ذلك الرجل حبان بن منقذ بفتح الحاء المهملة والموحدة الثقيلة ‏(‏ضعف‏)‏ أي كان ضعيف العقل والرأي ‏(‏أحجر عليه‏)‏ بضم الجيم أمر من الحجر وهو المنع من التصرف ومنه حجر القاضي على الصغير والسفيه إذا منعهما من التصرف من مالهما كذا في النهاية ‏(‏فنهاه‏)‏ أي عن المبايعة ‏(‏فقل هاء وهاء‏)‏ تقدم ضبطه وتفسيره في باب الصرف ‏(‏ولا خلابة‏)‏ بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام أي لا خديعة ولا لنفي الجنس، أي لا خديعة في الدين‏.‏ لأن الدين النصيحة‏.‏ قال النووي‏:‏ واختلف العلماء في هذا الحديث فجعله بعضهم خاصاً في حقه وأن المغابنة بين المتبايعين لازمة، لا خيار للمغبون بسببها سواء قلت أو كثرت‏.‏ وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وآخرين وهي أصح الروايتين عن مالك‏.‏ وقال البغداديون من المالكية‏:‏ للمغبون الخيار لهذا الحديث بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة، فإن كان دونه فلا‏.‏ والصحيح الأول لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت له الخيار، وإنما قال له‏:‏ قل لا خلابة أي لا خديعة ولا يلزم من هذا ثبوت الخيار، ولأنه لو ثبت أو أثبت له الخيار كانت قضية عين لا عموم لها فلا ينفذ منه إلى غيره إلا بدليل انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أنس حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وسكت عنه أبو داود والمنذري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم‏.‏ وقالوا الحجر على الرجل الحر الخ‏)‏ واستدلوا بحديث أنس المذكور، وجه الاستدلال أن أهل ذلك الرجل الذي كان في عقدته ضعف لما قالوا‏:‏ يا رسول الله احجر عليه‏.‏ لم ينكر عليهم فلو كان الحجر على الحر البالغ لا يصح لأنكر عليهم‏.‏ واستدل أيضاً بهذا الحديث من لم يقل بالحجر على الحر البالغ بأنه صلى الله عليه وسلم لم يحجر على ذلك الرجل فلو كان الحجر على الحر البالغ جائزاً لحجر على ذلك ومنعه من البيع فتأمل‏.‏

848- باب مَا جَاء في المُصَرّاة

‏(‏باب ما جاء في المصراة‏)‏ اسم مفعول من التصرية، قال في النهاية‏:‏ المصراة الناقة أو البقرة أو الشاة يصري اللين في ضرعها أي يجمع ويحبس انتهى يعني لتباع كذلك ويغتربها المشتري ويظن أنها لبون فيزيد في الثمن

1248- حدثنا أبُو كُرَيْبِ‏.‏ حدّثنَا وَكيعٌ عنْ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمّدَ بنِ زِيَادٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَنِ اشْتَرَى مُصَرّاةً فَهُوَ بالخِيَارِ إذَا حَلَبَهَا‏.‏ إنْ شَاءَ رَدّهَا ورَدّ مَعَها صَاعاً مِنْ تَمْرٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وفي البابِ عَنْ أنَسٍ وَرَجُلٍ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

1249- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدثنا أبُو عَامِرٍ‏.‏ حَدّثَنَا قُرّةُ بنُ خالِدٍ عَنْ مُحَمّدِ بنِ سِيرينَ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏مَنِ اشْتَرَى مُصَرّاةً فَهُوَ بِالخِيَارِ ثَلاَثَةَ أيّامٍ‏.‏ فإنْ رَدّهَا رَد مَعَهَا صَاعاً منْ طَعَامٍ لاَ سَمْرَاءَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَالعمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أصْحَابِنَا‏.‏ مِنْهُمُ الشّافِعِيّ وَأَحْمَدُ وإسْحَاقُ ومعنى قوله ‏(‏لا سمراء‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهو بالخيار إذا حلبها‏)‏ وفي رواية للشيخين‏:‏ بعد أن يحلبها‏.‏ قال الحافظ ظاهر الحديث أن الخيار لا يثبت إلا بعد الحلب، والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار ولو لم يحلب، لكن لما كانت التصرية لا تعرف غالباً إلا بعد الحلب ذكر قيداً في ثبوت الخيار، فلو ظهرت التصرية بغير الحلب فالخيار ثابت ‏(‏إن شاء ردعاً ورد معها صاعاً من تمر‏)‏ أي عوضاً عن لبنها لأن بعض اللبن حديث في ملك المشتري، وبعضه كان مبيعاً فلعدم تمييزه امتنع رده ورد قيمته‏:‏ فأوجب الشارع صاعاً قطعاً للخصومة من غير نظر إلى قلة اللبن وكثرته كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه أبو يعلى ‏(‏ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أخرجه أحمد بإسناد صحيح‏.‏ وفي الباب عن ابن ابن عمر أخرجه أبو داود والطبراني، وعن عمرو بن عوف المزني أخرجه البيهقي في الخلافيات‏.‏ كذا في فتح الباري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهو بالخيار ثلاثة أيام‏)‏ فيه دليل على امتداد الخيار هذا المقدار، فتقيد بهذه الرواية الروايات القاضية بأن الخيار بعد الحلب على الفور كما في قوله‏:‏ بعد أن يحلبها ‏(‏فإن ردها رد معها صاعاً من طعام الا سمراء‏)‏ قال الحافظ‏:‏ تحمل الرواية التي فيها الطعام على التمر‏.‏ وقد روى الطحاوي من طريق أيوب عن ابن سيرين أن المراد بالسمراء الحنطة الشامية‏.‏ وروى ابن أبي شيبة وأبو عوانة من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين‏:‏ لاسمراء يعني الحنطة وروى ابن المنذر من طريق ابن عون عن ابن سيرين انه سمع أبا هريرة يقول‏:‏ لا سمراء تمر ليس ببر‏.‏ فهذه الروايات تبين أن المراد بالطعام التمر‏.‏ ولما كان المتبادر إلى الذهن أن المراد بالطعام القمح نفاه بقوله لا سمراء انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏معنى لا سمراء لا بر‏)‏ بضم الموحدة وتشديد الراء وهي الحنطة قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا الحديث عند أصحابنا منهم الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ قال الحافظ في الفتح قد أخذ بظاهر هذا الحديث يعني حديث أبي هريرة المذكور جمهور أهل العلم وأفتى به ابن مسعود وأبو هريرة ولا مخالف لهم من الصحابة وقال به من التابعين ومن بعدهم من لا يحصى عدد ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلاً أو كثيراً‏.‏ ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا‏.‏ وخالف في أصل المسألة أكثر الحنفية وفي فروعها أكثرون‏.‏ أما الحنفية فقالوا لا يرد بعيب التصرية ولا يجب رد صاع من التمر وخالفهم زفر فقال يقول الجمهور إلا أنه قال يتخير بين صاع تمر أو نصف صاع بر وكذا قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف في رواية إلا أنهما قالا لا يتعين صاع التمر بل قيمته واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة بأعذار شتى فمنهم من طعن في الحديث بكونه من رواية أبي هريرة ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما رواه مخالفاً للقياس الجلي وهو كلام آذى قائله به نفسه وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه وقد ترك أبو حنيفة القياس الجلي لرواية أبي هريرة وأمثاله كما في الوضوء بنبيذ التمر، ومن القهقهة في الصلاة وغير ذلك‏.‏ وأظن أن لهذه النكتة أورد البخاري حديث ابن مسعود عقب حديث أبي هريرة إشارة منه إلى أن ابن مسعود قد أفتى بوفق حديث أبي هريرة فلولا أن خبر أبي هريرة في ذلك ثابت لما خالف ابن مسعود القياس الجلي في ذلك وقد اختص أبو هريرة بمزيد الحفظ لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له ثم مع ذلك لم ينفرد أبو هريرة برواية هذا الأصل فقد أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنه وأخرجه الطبراني من وجه آخر عنه وأبو يعلي من حديث أنس وأخرجه البيهقي في الخلافيات من حديث عمرو بن عوف المزني وأخرجه أحمد من رواية رجل من الصحابة لم يسم وقال ابن عبد البر هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها ومنهم من قال هو حديث مضطرب لذكر التمر فيه تارة والقمح أخرى واللبن أخرى واعتباره بالصاع تارة وبالمثل أو المثلين تارة وبالإناء أخرى والجواب أن الطرق الصحيحة لا اختلاف فيها والضعيف لا يعل به الصحيح ومنهم من قال وهو معارض لعموم القرآن كقوله تعالى ‏{‏وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‏}‏ وأجيب بأنه من ضمان المتلفات لا العقوبات والمتلفات تضمن بالمثل وبغير المثل ومنهم من قال هو منسوخ وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا دلالة على النسخ مع مدعيه كذا في فتح الباري وقد بسط الحافظ فيه الكلام في هذا المقام بسطاً حسناً وأجاد وقال الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين‏:‏ المثال العشرون رد المحكم الصحيح الصريح في مسألة المصراة بالمتشابه من القياس وزعمهم أن هذا يخالف الأصول فلا يقبل فيقال الأصول كتاب الله وسنة رسوله وإجماع أمته والقياس الصحيح الموافق للكتاب والسنة فالحديث الصحيح أصل بنفسه فكيف يقال الأصل يخالف نفسه‏؟‏ هذا من أبطل الباطل والأصول في الحقيقة اثنان لا ثالث لهما كلام الله وكلام رسوله وما عداهما فمردود إليهما فالسنة أصل قائم بنفسه والقياس فرع فكيف يرد الأصل بالفرع‏؟‏ وقد تقدم بيان موافقة حديث المصراة للقياس وإبطال قول من زعم أنه خلاف القياس ويا لله العجب كيف وافق الوضوء بالنبيذ المشتد للأصول حتى قبل‏؟‏ وخالف خبر المصراة للأصول حتى رد‏؟‏ انتهى‏.‏

قلت قد أطال الحافظ ابن القيم في هذا الكتاب في إبطال قول من زعم أنه خلاف القياس فعليك أن ترجع إليه‏.‏

تنبيه‏:‏

قال صاحب العرف الشذي‏:‏ أما ما ذكر صاحب المنار وغيره من أن حديث المصراة يرويه أبو هريرة وهو غير فقيه ورواية الذي ليس بفقيه غير معتبر إذا كانت خلاف القياس والقياس يقتضي بالفرق بين اللبن القليل والكثير ولبن الناقة أو الشاة أو البقرة وغيرها من الأقيسة فأقول إن مثل هذا قابل الإسقاط من الكتب فإنه لا يقول به عامل وأيضاً هذه الضابطة لم ترد عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ولكنها منسوبة إلى عيسى بن أبان انتهى كلام صاحب العرف الشذي بلفظه‏.‏ قلت وكذلك كثير من الضوابط والمسائل المذكورة في كتب الحنفية المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة قابلة للإسقاط من الكتب الحنفية فإنها لم ترد عنه رحمه الله بل هي منسوبة إليه بلا دليل وشأنه أعلى وأجل أن يقول بها‏.‏ تنبيه آخر‏:‏ قال صاحب العرف الشذي‏:‏ أول من أجاب الطحاوي فعارض الحديث واتى بحديث الخراج بالضمان وسنده قوي أقول إن هذا الجواب ليس بذاك القوي انتهى كلام صاحب العرف الشذي بلفظه‏.‏

ثم بسط في تضعيف جواب الطحاوي هذا وتوهينه قلت لا شك في أن جواب الطحاوي هذا ضعيف، وواه وقد زعم الطحاوي رحمه الله أن حديث الخراج بالضمان ناسخ لحديث المصراة وهذا زعم فاسد قال الحافظ في الفتح‏:‏ وقيل إن ناسخه حديث الخراج بالضمان وهو حديث أخرجه أصحاب السنن عن عائشة ووجهة الدلالة منه أن اللبن فضلة من فضلات الشاه ولو هلكت لكان من ضمان المشتري فكذلك فضلاتها تكون له فكيف يعزم بدلها للبائع حكاه الطحاوي أيضاً‏.‏ وتعقب بأن حديث المصراة أصلح منه باتفاق فكيف يقدم المرجوح على الراجح ودعوى كونه بعده لا دليل عليها وعلى التنزل فالمشتري لم يؤمر بغرامة ما حدث في ملكه بل بغرامة اللبن الذي ورد عليه العقد ولم يدخل في العقد فليس بين الحديثين على هذا تعارض انتهى كلام الحافظ، وقال قبلي هذا ما لفظه‏:‏ ومنهم من قال هو منسوخ وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا دلالة على النسخ مع مدعيه لأنهم اختلفوا في الناسح ثم ذكر الحافظ الأحاديث التي زعموا أنها ناسخة وأجاب عنها جواباً شافياً إن شئت الوقوف عليها فارجع إلى فتح الباري‏.‏

849- باب مَا جَاء في اشْتراط ظهْرِ الدّابةِ عِنْدَ البيْع

1250- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ‏.‏ حدّثنا وَكِيعٌ عنْ زَكَريّا، عنِ الشّعْبي، عنْ جَابِرِ بنِ عبدِ الله أنّهُ بَاعَ مِنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بَعِيراً، واشْتَرطَ ظَهْرَهُ إلَى أهْلِهِ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابرٍ‏.‏ وَالعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمِ‏.‏ يَرَوْنَ الشّرْطَ في الْبَيْعِ جائِزاً، إذَ كانَ شرْطاً وَاحِداً‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ أحْمدَ وَإسْحَاقَ‏.‏

وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ‏:‏ لا يَجُوزُ الشّرْطُ في البَيْعِ‏.‏ وَلاَ يَتِمّ البَيْعُ إذَا كانَ فيِهِ شَرْطٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واشترط ظهره إلى أهله‏)‏ وفي رواية للصحيحين واستثنيت حملانه إلى أهلي بضم الحاء المهملة والمراد الحمل عليه قال الشوكاني‏:‏ وهو يدل على جواز البيع مع استثناء الركوب‏.‏ وبه قال الجمهور، وجوزه مالك إذا كانت مسافة السفر قريبة وحدها بثلاثة أيام‏.‏ وقال الشافعي وأبو حنيفة وآخرون‏:‏ لا يجوز ذلك سواء قلت المسافة أو كثرت واحتجوا بحديث النهي عن بيع وشرط وحديث النهي عن الثنيا، وأجابوا عن حديث الباب بأنه قصة عين تدخلها الاحتمالات‏.‏ ويجاب بأن حديث النهي عن بيع وشرط مع ما فيه من المقال هو أعم من حديث الباب مطلقاً فيبنى العام على الخاص‏.‏ وأما حديث النهي عن الثنيا فقد تقدم تقييده بقوله‏:‏ إلا أن يعلم‏.‏ انتهى كلام الشوكاني‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

850- باب مَا جَاء في الانْتِفَاعِ بالرّهْن

‏(‏باب ما جاء في الانتفاع بالرهن‏)‏ أي بالشيء المرهون

1251- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ وَ يُوسُفُ بنُ عِيسى قالاَ‏:‏ حدّثنَا وَكِيعٌ عنْ زَكَرِيّا، عنْ عَامِرٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏الظهْرُ يُرْكَبُ إذَا كانَ مَرْهُوناً‏.‏ ولَبَنُ الدّرّ يُشْرَبُ إذَا كانَ مَرْهُوناً‏.‏ وَعَلَى الّذِي يَرْكَب وَيَشْرَبُ، نَفَقَتُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلا مِنْ حدِيثِ عَامر الشّعْبيّ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هذَا الحَدِيثَ عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي صَالِحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفاً‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وَإسْحَاقَ‏.‏

وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ‏:‏ لَيْسَ لَهُ أنْ يَنْتَفِعَ مِنَ الرّهْنِ بِشَيْءٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الظهر يركب‏)‏ بصيغة المجهول، وكذلك يشرب وهو خبر بمعنى الأمر‏.‏ والمراد من الظهر ظهر الدابة، وقيل الظهر الإبل القوي يستوي فيه الواحد والجمع ‏(‏ولبن الدر‏)‏ بفتح المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة أي ذات الضرع‏.‏ وقوله لبن الدر من إضافة الشيء إلى نفسه كقوله تعالى ‏{‏وحب الحصيد‏}‏ قاله الحافظ‏.‏ ‏(‏وعلى الذي يركب ويشرب نفقته‏)‏ أي كائناً من كان هذا ظاهر الحديث‏.‏ وفيه حجة لمن قال يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته ولو لم يأذن له المالك‏.‏ وهو قول أحمد وإسحاق وطائفة قالوا‏:‏ أينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والخلب بقدر النفقة ولا ينتفع بغيرهما لمفهوم الحديث‏:‏ وأما دعوى الإجمال فقد دل بمنطوقه على إباحة الانتفاع في مقابلة الإنفاق وهذا يختص بالمرتهن لأن الحديث وإن كان مجملاً لكنه يختص بالمرتهن، لأن انتفاع الراهن بالمرهون لكونه مالك رقبته لا لكونه منفقاً عليه، بخلاف المرتهن‏:‏ وذهب الجمهور إلى أن المرتهن لا ينتفع من المرهون بشيء‏.‏ وتأولوا الحديث لكونه ورد على خلاف القياس من وجهين أحدهما التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه، والثاني تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها‏.‏ ويدل على نسخه حديث ابن عمر‏:‏ لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه‏:‏ رواه البخاري انتهى‏.‏ وقال الشافعي يشبه أن يكون المراد من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن من درها وظهرها، فهي محلوبة ومركوبة له كما كانت قبل الرهن‏:‏ واعترضه الطحاوي بما رواه هشيم عن زكريا في هذا الحديث ولفظه‏:‏ إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها‏.‏ الحديث قال‏:‏ فتعين أن المراد المرتهن لا الراهن، ثم أجاب عن الحديث بأنه محمول على أنه كان قبل تحريم الربا فلما حرم الربا ارتفع ما أبيح في هذا للمرتهن وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والتاريخ في هذا متعذر والجمع بين الأحاديث ممكن‏.‏ وقد ذهب الأوزاعي والليث وأبو ثور إلى حمله على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون فيباح حينئذ للمرتهن الإنفاق على الحيوان حفظاً لحياته ولإبقاء المالية فيه، وجعل له في مقابلة نفقته الانتفاع بالركوب أو بشرب اللبن بشرط ألا يزيد قدر ذلك أو قيمته على قدر علفه وهي من جملة مسائل الظفر‏.‏ كذا أفاد الحافظ في فتح الباري‏.‏ قلت حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون خلاف الظاهر‏.‏ وقال في سبل السلام‏:‏ إنه تقييد للحديث بما لم يقيد به الشارع‏.‏ وأما قول ابن عبد البر يدل على نسخه حديث ابن عمر‏:‏ لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه ففيه ما قال الحافظ في جواب الطحاوي من أن النسخ لا يثبت بالاحتمال والتاريخ في هذا متعذر والجمع بين الحديثين ممكن، وقال في السبل‏:‏ أما النسخ فلا بد له من معرفة التاريخ على أنه لا يحمل عليه إلا إذا تعذر الجمع ولا تعذر هنا إذ يخص عموم النهي بالمرهونة انتهى‏.‏ وأما قوله بأن الحديث يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة ففيه إن هذا الحديث أيضاً أصل من أصول الشريعة‏.‏ والجمع بين هذا الأصل وتلك الأصول المجمع عليها وتلك الآثار الثابتة التي أشار إليها ممكن‏.‏ وأما قول الجمهور بأن الحديث ورد على خلاف القياس من وجهين الخ‏.‏ ففيه ما قال الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين‏:‏ ومن ذلك قول بعضهم‏:‏ إن الحديث الصحيح وهو قوله الرهن مركوب ومحلوب وعلى الذي يركب ويحلب النفقة على خلاف القياس فإنه جوز لغير المالك أن يركب الدابة ويحلبها وضمنه ذلك بالنفقة، فهو مخالف للقياس من وجهين والصواب ما دل عليه الحديث‏.‏ وقواعد الشريعة وأصولها لا تقتضي سواه‏.‏ فإن الرهن إذا كان حيواناً محترم في نفسه بحق الله سبحانه، وكذلك فيه حق الملك، وللمرتهن حق الوثيقة‏.‏ وقد شرع الله سبحانه الرهن مقبوضاً بيد المرتهن فإذا كان بيده فلم يركبه ولم يحلبه ذهب نفعه باطلاً، وإن مكن صاحبه من ركوبه خرج عن يده وتوثيقه، وإن كلف صاحبه كل وقت أن يأتي يأخذ لبنه شق عليه غاية المشقة، ولا سيما مع بعد المسافة، وإن كلف المرتهن بيع اللبن وحفظ ثمنه للراهن شق عليه‏.‏ فكان بمقتضى العدل والقياس ومصلحة الراهن والمرتهن والحيوان أن يستوفي المرتهن منفعة الركوب والحلب ويعوض عنهما بالنفقة ففي هذا جمع بين المصلحتين وتوفير الحقين، فإن نفقة الحيوان واجبة على صاحبه‏.‏ والمرتهن إذا أنفق عليه أدى عنه واجباً وله فيه حق فله أن يرجع ببدله ومنفعة الركوب والحلب يصح أن يكونا بدلاً، فأخذها خير من أن تهدر على صاحبها باطلاً‏.‏ ويلزم بعوض ما أنفق المرتهن وإن قيل للمرتهن لا رجوع لك كان في إضرار به، ولم تسمح نفسه بالنفقة على الحيوان، فكان ما جاءت به الشريعة هو الغاية التي ما فوقها في العدل والحكمة والمصلحة شيء يختار‏.‏ ثم ذكر ابن القيم كلاماً حسناً مفيداً من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى الأعلام‏.‏

وقال القاضي الشوكاني في النيل‏:‏ ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول فلا ترد إلا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع‏.‏ وعن حديث ابن عمر بأنه عام وحديث الباب خاص فيبنى العام على الخاص، والنسخ لا يثبت إلا بدليل يقضي بتأخر الناسخ على وجه يتعذر معه الجمع لا بمجرد الاحتمال مع الإمكان‏.‏ انتهى كلام الشوكاني، فالحاصل أن حديث الباب صحيح محكم ليس بمنسوخ ولا يرده أصل من أصول الشريعة، ولا أثر من الآثار الثابتة‏.‏ وهو دليل صريح في جواز الركوب على الدابة المرهونة بنفقتها وشرب لبن الدر المرهونة بنفقتها‏.‏ وهو قول أحمد وإسحاق كما ذكره الترمذي‏.‏ وأما قياس الأرض المرهونة على الدابة المرهونة والدر المرهونة، فقياس مع الفارق هذا ما عندي والله تعالى أعلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا مسلماً والنسائي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق‏)‏ قالا‏:‏ ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة ولا ينتفع بغيرهما، لمفهوم الحديث‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وقال أحمد وإسحاق‏:‏ للمرتهن أن ينتفع من المرهون بحلب وركوب دون غيرهما ويقدر بقدر النفقة، واحتجا بهذا الحديث‏.‏ ووجه التمسك به أن يقال‏:‏ دل الحديث بمنطوقه على إباحة الانتفاع في مقابلة الإنفاق وانتفاع الراهن ليس كذلك، لأن إباحته مستفادة له من تملك الرقبة لا من الانفاق وبمفهومه على أن جواز الانتفاع مقصور على هذين النوعين من المنفعة، وجواز انتفاع غير مقصور عليهما‏.‏ فإذا المراد أن للمرتهن أن ينتفع بالركوب والحلب من المرهون بالنفقة وإنه إذا فعل ذلك لزمه النفقة انتهى‏.‏ قلت‏:‏ قول أحمد وإسحاق هو الظاهر الموافق لحديث الباب‏.‏ وقد قال به طائفة أيضاً كما عرفت في كلام الحافظ‏.‏ وقد قال‏:‏ بجواز انتفاع الركوب وشرب اللبن بقدر العلف إبراهيم النخعي أيضاً‏.‏ قال الإمام البخاري في صحيحه‏:‏ وقال المغيرة عن إبراهيم‏:‏ تركب الضالة بقدر علفها والرهن مثله انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ قوله والرهن مثله في الحكم المذكور‏.‏ وقد وصله سعيد بن منصور بالإسناد المذكور ولفظه‏:‏ الدابة إذا كانت مرهونة تركب بقدر علفها وإذا كان لها لبن يشرب منه بقدر علفها،‏.‏ ورواه حماد بن سلمة في جامعه عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم ولفظه‏:‏ إذا ارتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر ثمن علفها، فإن استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا انتهى‏.‏ ‏(‏وقال بعض أهل العلم ليس له‏)‏ أي للمرتهن ‏(‏أن ينتفع من الرهن‏)‏، أي من الشيء المرهون ‏(‏بشيء‏)‏ أي بشيء من الانتفاع‏.‏ وهو قول الجمهور، واستدلوا بحديث أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه‏.‏ رواه الشافعي والدارقطني وقال‏:‏ هذا إسناد حسن متصل‏.‏ كذا في المنتقى‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ قوله له غنمه وعليه غرمه‏.‏ فيه دليل لمذهب الجمهور، لأن الشارع قد جعل الغنم والغرم للراهن ولكنه قد اختلف في وصله وإرساله ورفعه ووقعه وذلك مما يوجب عدم انتهاضه لمعارضة ما في صحيح البخاري وغيره انتهى قلت حديث أبي هريرة الذي استدل به الجمهور قد بسط الكلام فيه الحافظ ابن حجر في التلخيص من شاء الوقوف عليه فليرجع إليه‏.‏

851- باب مَا جَاءَ في شِرَاءِ القِلادَةِ وَفِيها ذَهبٌ وَخَرز

‏(‏باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الخرز محركة الجوهر وما ينظم‏.‏ وقال في الصراح‏:‏ خرزة بفتحتين مهره خرازات الملك وجواهر تاجه‏.‏ والقلادة بكسر القاف ما يقلد في العنق‏.‏ وقال في الصراح‏:‏ قلادة بالكسر كردن بند وجميل

1252- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنا اللّيْثُ عَنْ أبي شُجَاعٍ سَعِيدِ بنِ يَزِيدَ عنْ خَالِدِ بنِ أبي عِمْرانَ، عنْ حَنَشٍ الصّنْعَانِيّ، عنْ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ قالَ‏:‏ اشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَر قِلاَدَةً باثْنَي عَشَرَ دِيناراً، فِيها ذَهَبٌ وَخَرزٌ‏.‏ فَفَصّلْتُهَا‏.‏ فَوَجَدْتُ فِيها أكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَاراً‏.‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ‏"‏لاَ تُبَاعُ حَتّى تُفَصّلَ‏"‏‏.‏

حدّثنَا قُتَيْبَةُ‏.‏ حَدّثنَا ابنُ المُبارَكِ عن أبي شُجَاعٍ سَعِيدِ بنِ يَزِيدَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ‏.‏ قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏.‏ لَمْ يَرَوْا أنْ يُبَاعَ السّيْفُ مُحَلّى، أوُ مِنْطَقةٌ مُفَضّضَةٌ، أوْ مِثْلُ هذَا، بِدَرَاهِمَ حَتّى يُمَيّزَ وَيُفَصّلَ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ ابنِ المُبَارَكِ، والشّافِعِيّ، وأَحْمَدَ، وإسْحَاقَ‏.‏

وقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ في ذَلِكَ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حنش‏)‏ بفتح الحاء المهملة والنون الخفيفة بعدها معجمة ابن عبد الله ويقال ابن علي والسبائي ثقة من الثالثة كذا في التقريب‏.‏ ‏(‏عن فضالة‏)‏ بفتح الفاء ‏(‏عن عبيد‏)‏ بالتصغير ‏(‏ففصلتها‏)‏ من التفصيل أي ميزت ذهبها وخرزها بعد العقد ‏(‏فوجدت فيها‏)‏ أي في القلادة ‏(‏لا تباع‏)‏ أي القلادة بعد هذا نفي بمعنى النهي ‏(‏حتى تفصل‏)‏ بصيغة المجهول أي تميز والحديث رواه أبو داود بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها من رجل بتسعة دنانير، أو سبعة دنانير فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا حتى تميز بينه وبينه‏.‏ فقال‏:‏ إنما أردت الحجارة فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا حتى تميز بينهما‏.‏ قال فرده حتى ميز بينهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ وله عند الطبراني في الكبير طرق كثيرة جداً في بعضها قلادة فيها خرز وذهب، وفي بعضها ذهب وجوهر وفي بعضها خرز وذهب، وفي بعضها خرز معلقة بذهب، وفي بعضها بإثني عشر ديناراً، وفي أخرى بتسعة دنانير، وفي أخرى بسبعة دنانير‏.‏ وأجاب البيهقي عن هذا الاختلاف بأنها كانت بيوعاً شهدها فضالة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والجواب المسدد عندي أن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفاً بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه، وهو النهي عن بيع ما لم يفصل وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به في هذه الحالة ما يوجب الحكم بالاضطراب، وحينئذ فينبغي الترجيح بين رواتها وإن كان الجميع ثقات فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم، ويكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة‏.‏ وهذا الجواب هو الذي يجاب به في حديث جابر وقصة جمله ومقدار ثمنه انتهى كلام الحافظ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، لم يروا أن يباع سيف محلى‏)‏ أي بالفضة ‏(‏أو منطقة‏)‏ بكسر الميم في الفارسية كمربند ‏(‏مفة‏)‏ اسم مفعول من التفضيض‏.‏ قال في الصراح تفضيض سيم كوفت وسيم اندود كردن ‏(‏وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ وهو منقول عن عمر بن الخطاب وابنه وجماعة من السلف وهو الظاهر‏.‏ ‏(‏وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم‏)‏ وقالت الحنفية‏:‏ إنه يجوز إذا كان الذهب المنفرد أكثر من الذي في القلادة نحوها لا مثله ولا دونه قال النووي في شرح مسلم في هذا الحديث‏:‏ إنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل فيباع الذهب بوزنه ذهباً ويباع الاَخر بما أراد، وكذا لاتباع فضة مع غيرها بفضة وكذا الحنطة مع غيرها بحنطة والملح مع غيره بملح وكذا سائر الربويات‏.‏ بل لا بد من فصلها وسواء كان الذهب في الصورة المذكورة أو قليلاً أو كثيراً وكذلك باقي الربويات‏.‏ وهذه هي المسألة المشهورة في كتب الشافعي وأصحابه وغيره المعروفة بمسألة مدعجوة، وصورتها باع مدعجوة ودرهما بمدعجوة أو بدرهمين لا يجرز لهذا الحديث‏.‏ وهذا منقول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه وجماعة من السلف‏.‏ وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن عبد الحكيم المالكي‏.‏ وقال أبو حنيفة وللثوري والحسن بن صالح‏:‏ يجوز بيعه بأكثر مما فيه من الذهب، ولا يجوز بمثله ولا بدونه‏.‏ وقال مالك وأصحابه وآخرون يجوز بيع السيف المحلى بذهب وغيره مما هو في معناه بما فيه ذهب‏.‏ فيجوز بيعه بالذهب إذا كان الذهب في المبيع تابعاً لغيره وقدروه بأن يكون الثلث فما دونه‏.‏ قال‏:‏ وأجابت الحنفية بأن الذهب فيها كان أكثر من اثني عشر درهماً وقد اشتراها بإثني عشر ديناراً‏.‏ قالوا‏:‏ ونحن لا تجيز هذا وإنما نجيز البيع إذا باعها بذهب أكثر مما فيها فيكون ما زاد من الذهب المنفرد في مقابلة الخرز ونحوه مما هو من الذهب المبيع فيصير كمعقدين‏.‏ وأجاب الطحاوي بأنه إنما نهى عنه لأنه كان في بيع الغنائم لئلا يغبن المسلمون في بيعها‏.‏ قال النووي‏:‏ ودليل صحة قولنا وفساد التأويلين يعني جواب الحنفية وجواب الطحاوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا يباع حتى يفصل‏.‏ وهذا صريح في اشتراط فصل أحدهما عن الاَخر في البيع، وأنه لا فرق بين أن يكون الذهب المبيع به قليلاً أو كثيراً وأنه لا فرق بين بيع الغنائم وغيرها انتهى كلام النووي‏.‏ وقال صاحب السبل‏.‏ وأجاب المانعون بأن الحديث فيه دلالة على علة النهي وهي عدم الفصل حيث قال لا يباع حتى يفصل وظاهره الإطلاق في المساوي وغيره فالحق مع القائلين بعدم الصحة‏.‏ ولعل وجه حكم النهي هو سد الذريعة إلى وقوع التفاضل في الجنس الربوي ولا يكون إلا بتمييزه بفصل واختيار المساواة بالكيل والوزن وعدم الكفاية بالظن في التغليب انتهى‏.‏

852- باب مَا جَاءَ في اشْترَاطِ الْوَلاَءِ وَالزّجْرِ عنْ ذلِك

1253- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدّثنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي‏.‏ حدثنا سُفْيَانُ عنْ مَنْصُورٍ، عنْ إبْرَاهِيمَ، عنِ الأسْوَدِ، عنْ عَائِشَةَ أنهَا أرَادَتْ أنْ تَشْتَرِي بَرِيرَةَ‏.‏ فَاشْتَرطُوا الوَلاَءَ‏.‏ فقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏اشْتَرِيهَا‏.‏ فَإنّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْطَى الثّمَنَ، أوْ لِمَنْ ولِيَ النّعْمَةَ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنِ ابنِ عُمرَ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ عَائِشَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ قالَ‏:‏ ومَنْصُورُ بنُ الْمُعْتَمِرِ يُكَنّى أبَا عَتّابٍ‏.‏

حدّثنَا أبُو بَكْرٍ الْعَطّارُ الْبَصْرِيّ عنْ عَلِي ابنِ الْمَدِينِيّ قالَ‏:‏ سَمِعتُ يَحْيَى بنَ سَعِيدٍ يَقُولُ‏:‏ إذَا حُدّثْتَ عنْ مَنْصُورٍ فَقَدْ مَلأْتَ يَدَكَ مِن الخَيرِ لاَ تُرِدْ غَيْرَهُ‏.‏ ثمّ قالَ يَحْيَى‏:‏ مَا أجِدُ في إِبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ وَمُجَاهِدٍ، أثْبَتَ عن مَنْصُورٍ‏.‏

قال وأخْبَرَني مُحَمّدٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي الأسْوَدِ قالَ‏:‏ قالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي‏:‏ مَنْصُورٌ أثْبَتُ أهْلِ الْكُوفَةِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرادت أن تشتري بريرة‏)‏ بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو ثمن الأراك‏.‏ وقيل إنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة كمبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة هكذا وجهه القرطبي والأول أولى لأنه صلى الله عليه وسلم غير اسم جويرية وكان اسمها برة وقال‏:‏ ‏(‏لا تزكوا أنفسكم‏)‏ فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك وكانت بريرة لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال‏.‏ قاله ابن عبد البر‏.‏ ويمكن الجمع وكانت تخدم عائشة قبل أن تعتق كما في حديث الإفك وعاشت إلى خلافة معاوية وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك‏.‏ وروى هو ذلك عنها كذا في الفتح ‏(‏اشتريها فإنما الولاء لمن أعطى الثمن‏)‏ أي لمن اشترى وأعتق‏.‏ قال في اللمعات‏:‏ قد يتوهم أن هذا متضمن للخداع والتغرير فكيف أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله بذلك‏؟‏ والجواب أنه كان جهلاً باطلاً منهم فلا اعتذار بذلك واشكل من ذلك ما ورد في بعض الروايات‏.‏ خذيها واشترطي الولاء لهم فإن الولاء لمن اعتق‏.‏ والجواب أن اشتراطه لهم تسليم لقولهم الباطل بإرخاء العنان دون إثباته لهم انتهى‏.‏ قلت قد ذكر الحافظ في الفتح في دفع هذا الإشكال وجوهاً عديدة بالبسط فعليك أن تطالعه ‏(‏أو لمن ولى النعمة‏)‏ أي المعتق قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ أخرجه البخاري والنسائي وأبو داود‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وقال‏)‏ أي أبو عيسى ‏(‏منصور بن المعتمر يكنى أبا عتاب‏)‏ بفتح المهملة وشدة الفوقانية وبالموحدة ‏(‏إذا حدثت‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏عن منصور‏)‏ أي ابن المعتمر يعني إذا حدثك رجل عن منصور ‏(‏فقد ملأت يدك من الخير‏)‏ كناية عن كونه ثقة ثبتا في الحديث وكان هو أثبت أهل الكوفة وكان لا يحدث إلا عن ثقة ‏(‏لا ترد‏)‏ من الإرادة ‏(‏وغيره‏)‏ أي غير منصور ‏(‏وأخبرني محمد‏)‏ هو الإمام البخاري رحمه الله وهذا قول الترمذي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏)‏ أي أبو عيسى الترمذي ‏(‏منصور بن المعتمر يكني أبا عتاب‏)‏ بفتح المهملة وشدة الفوقية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال سمعت يحيى بن سعد‏)‏ ابن فروخ التميمي القطان البصري الحافظ الحجة أحد أئمة الجرح والتعديل ‏(‏إذا حدثت‏)‏ بصيغة المجهول للمخاطب ‏(‏عن منصور‏)‏ هو منصور بن المعتمر المذكور‏.‏ قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة أحد الأعلام لا أحفظ له شيئاً عن الصحابة، وحدث عن أبي وائل وربعي بن حراش وإبراهيم وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وأبي حازم الأشجعي وطبقتهم وعنه شعبة وشيبان وسفيانان وشريك وخلق كثير، وحكى عنه شعبة قال‏:‏ ما كتبت حديثاً قط‏.‏ وقال ابن مهدي لم يكن بالكوفة أحد أحفظ من منصور‏.‏ وقال أحمد العجلي كان منصوراً أثبت أهل الكوفة لا يختلف فيه أحد، مات في سنة اثنتين وثلاثين ومائة انتهى مختصراً ‏(‏فقد ملأت يدك من الخير لا ترد‏)‏ من الإرادة ‏(‏غيره‏)‏ مقصود يحيى القطان من هذا الكلام بيان كمال حفظ منصور بن المعتمر وإتقانه في الحديث‏.‏

853- باب

1254- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ‏.‏ حَدّثنَا أبُو بَكْرِ بنُ عَيّاشٍ عنْ أبي حُصَيْنٍ، عنْ حَبِيبِ بنِ أبي ثَابِتٍ، عنْ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حكيم بن حزام يَشْترِي لَهُ أُضْحِيّةً بِدِينَارٍ‏.‏ فَاشْترَى أُضْحِيّةً فأُرْبِحَ فِيهَا دِينَاراً‏.‏ فَاشْترَى أُخْرَى مَكَانهَا‏.‏ فَجَاءَ بِالأُضْحِيّةِ والدّينَارِ إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ ‏"‏ضَحّ بِالشّاةِ، وَتَصَدّقْ بِالدّينَارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ حَكِيمِ بنِ حِزامٍ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَحَبِيبُ بنُ أبي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ، عِنْدِي، مِنْ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ‏.‏

1255- حدثنا أَحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيّ‏.‏ حدّثنَا حَبّان‏.‏ حدّثنَا هَارُونُ الأعور المقرئ‏.‏ ‏(‏وهو ابن موسى القارئ‏)‏ حدّثَنا الزّبَيْرُ بنُ الخرّيتٍ عنْ أبي لَبِيدٍ، عنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيّ قالَ‏:‏ دَفَعَ إِلَيّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم دِينَاراً لأَشْترِي لَهُ شَاةً‏.‏ فَاشْترَيْتُ لَهُ شاتَيْنِ‏.‏ فَبِعْتُ إحْدَاهُما بِدِينَارٍ‏.‏ وَجِئْتُ بِالشّاةِ والدّينَارِ إلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فَذَكَرَ لَهُ مَا كانَ مِنْ أَمْرِهِ‏.‏ فَقالَ لَهُ ‏"‏بَارَكَ الله لَكَ في صَفْقَةِ يَمِينكَ‏"‏‏.‏

فَكانَ يَخْرُجُ بعد ذلك إِلَى كُنَاسَةِ الْكُوفَةِ، فَيَربَحُ الرّبْحَ الْعظِيمَ‏.‏ فَكانَ مِنْ أكْثَرِ أهْلِ الْكُوفَةِ مَالاً‏.‏

حدّثنا أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ الدّارمي‏.‏ حدّثنا حَبّانُ‏.‏ حدّثنا سَعِيدُ بنُ زَيْدٍ ‏(‏هو أخو حمّاد بن زيد‏)‏ قال حدثنا الزّبَيْرُ بنُ خِرّيتٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ عنْ أبي لَبِيدٍ‏.‏

قال أبو عيسى وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ إلَى هذَا الْحَدِيثِ وقَالُوا بِهِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ ولَمْ يَأْخُذْ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ بِهذَا الْحَدِيثِ‏.‏ مِنْهُمُ الشّافِعِيّ وسَعِيدُ بنُ زَيْدٍ، أخُو حَمّادِ بنِ زَيْدٍ‏.‏ وأبُو لَبِيدٍ اسْمُهُ لِمَازَةُ بن زياد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعث حكيم بن حزام‏)‏ بكسر الحاء وبالزاي وهو ابن أخي خديجة أم المؤمنين ولد قبل الفيل بثلاث عشرة سنة وكان من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام وتأخر إسلامه إلى عام الفتح، ومات بالمدينة سنة أربع وخمسين وله مائة وعشرون سنة، ستون في الجاهلية وستون في الاسلام ‏(‏يشتري له‏)‏ وفي رواية أبي داود ليشتري له ‏(‏أضحية‏)‏ أي ما يضحي به من غنم ‏(‏وتصدق بالدينار‏)‏ جعل جماعة هذا أصلاً فقالوا‏:‏ من وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقاً فإنه يتصدق به‏.‏ ووجه الشبهة ههنا أنه لم يأذن لحكيم بن حزام في بيع الأضحية‏.‏ ويحتمل أن يتصدق به لأنه قد خرج عنه للقربة لله تعالى في الأضحية فكرة ثمنها‏.‏ قاله في النيل‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث حكيم بن حزام لا نعرفه إلا من هذا الوجه وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم بن حزام‏)‏ فالحديث منقطع وأخرجه أبو داود من طريق أبي حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم بن حزام‏:‏ قال المنذري‏:‏ في إسناده مجهول انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الزبير بن خريت‏)‏ بكسر المعجمة والراء المشددة المكسورة وآخره مثناة وثقه أحمد وابن معين ‏(‏عن أبي لبيد‏)‏ اسمه لمازة بكسر اللام وتخفيف الميم وبالزاي ابن الزبار بفتح الزاي وتثقيل الموحدة وآخره راء، صدوق ناصبي من الثالثة‏.‏ كذا في التقريب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فاشتريت له شاتين‏)‏ فيه دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك‏:‏ إشتر بهذا الدينار شاة ووصفها أن يشتري بها شاتين بالصفة المذكورة، لأن مقصود الموكل قد حصل وزاد الوكيل خيراً ومثل هذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو بأن يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم‏.‏ وهو الصحيح عند الشافعية كما نقله النووي في زيادات الروضة ‏(‏فقال بارك الله في صفقة يمينك‏)‏ بفتح صاد وسكون فاء والمعنى بارك الله في بيعك وتجارتك ‏(‏فكان بعد ذلك يخرج إلى كناسة الكوفة‏)‏ بضم الكاف وتخفيف النون موضع بالكوفة ‏(‏فيربح الربح العظيم الخ‏)‏ وفي رواية البخاري فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعه بالبركة‏.‏ فكان لو اشترى تراباً لربح فيه‏.‏ وحديث عروة البارقي هذا أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه وفي إسناده من عند البخاري سعيد بن زيد أخو حماد وهو مختلف فيه عن أبي لبيد لمازة بن زبار، وقد قيل إنه مجهول لكنه قال‏:‏ إنه وثقه ابن سعد‏.‏ وقال حرب‏:‏ سمعت أحد يثني عليه وقال في التقريب‏:‏ إنه ناصبي أجلد قال المنذري والنووي‏:‏ إسناده صحيح لمجيئه من وجهين‏.‏ وقد رواه البخاري من طريق ابن عيينة عن شعيب بن غرقد، سمعت الحي يحدثون من عروة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ الصواب أنه متصل في إسناده مبهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقالوا به وهو قول أحمد وإسحاق الخ‏)‏ قال في النيل‏:‏ في الحديث دليل على صحة بيع الفضولي‏.‏ وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والشافعي في القديم‏.‏ وقواه النووي في الروضة وهو مروى عن جماعة من السلف منهم علي وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وقال الشافعي في الجديد وأصحابه‏:‏ إن البيع الموقوف والشراء الموقوف باطلان لحديث‏:‏ لا تبع ما ليس عندك‏.‏ وأجابوا عن حديثي الباب بما فيهما من المقال وعلى تقدير الصحة فيمكن أنه كان وكيلاً بالبيع بقرينة فهمها منه صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ إنه بكون البيع الموقوف صحيحاً دون الشراء والوجه أن الإخراج عن ملك المالك مفتقر إلى إذنه بخلاف الإدخال‏.‏ ويجاب بكن الإدخال للمبيع في الملك يستلزم الإخراج من الملك للثمن‏.‏ وروي عن مالك العكس من قول أبي حنيفة فإن صح فهو قوي لأن فيه جمعاً بين الأحاديث انتهى كلام الشوكاني‏.‏

854- باب مَا جَاءَ في الْمكَاتَبِ إذَا كانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدّي

1256- حدثنا هارُونُ بنُ عَبْدِ الله البَزّارُ حدّثنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمةَ عنْ أَيّوبَ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏إذَا أصَابَ الْمُكاتَبُ حَدّاً أوْ مِيرَاثاً، وَرِثَ بحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ‏"‏‏.‏

وَقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏يُؤَدّي الْمكاتَبُ بِحِصّةِ مَا أدّى، دِيَةَ حُر‏:‏ ومَا بَقِيَ، دِيَةَ عَبْدٍ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ أُمّ سَلَمةَ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ حدِيثٌ حسنٌ‏.‏ وَهكَذَا رَوَى يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَرَوَى خَالِدٌ الْحَذّاءُ عنْ عِكْرِمَةَ، عنْ عَلِي، قَوْلَهُ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا الحديث عِنْدَ بَعْضِ أهْل العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏.‏

وقالَ أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهم‏:‏ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ، مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ والشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏

1257- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنَا عَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيدٍ عنْ يَحْيَى بنِ أَبي أُنَيْسةَ، عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه عنْ جَدّهِ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنْ كاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مائَةِ أُوقيةٍ، فأَدّاهَا إلاّ عَشْرَة أوَاقٍ ‏(‏أَوْ قالَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ‏)‏، ثمّ عَجَزَ، فَهُوَ رَقِيقٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسن غرِيبٌ‏.‏ والعمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيرِهِمْ أَنّ المُكاتَبَ عَبْدٌ ما بَقِيَ علَيْهِ شَيْءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ‏.‏ وقَدْ رَوَى الْحَجّاجُ بنُ أرْطَاةَ عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ نَحْوَهُ‏.‏

1258- حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ‏.‏ قال‏:‏ حدّثنَا سُفْيَانُ بن عينية عنِ الزّهْرِيّ، عنْ نَبْهَانَ، عن موح أمّ سلمة عنْ أُمّ سَلمَةَ قالَتْ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذَا كانَ عِنْدَ مُكاتَبِ إِحْدَاكُنّ مَا يُؤَدّي، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ ومَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ عَلَى التّوَرّعِ‏.‏ وقَالُوا‏:‏ لاَ يُعْتقُ الْمُكاتَبُ، وَإِنْ كانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدّي، حَتّى يُؤَدّيَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أصاب المكاتب‏)‏ أي استحق ‏(‏حداً‏)‏ أي دية ‏(‏أو ميراثاً ورث‏)‏ بفتح فكسر راء مخفف ‏(‏بحساب ما عتق منه‏)‏ أي بحسبه ومقداره‏.‏ والمعنى إذا ثبت للمكاتب دية أو ميراث ثبت له من الدية والميراث بحسب ما عتق من نصفه كما لو أدى نصف الكتابة ثم مات أبوه وهو حر ولم يخلف غيره، فإنه يرث منه نصف ماله أو كما إذا جنى على المكاتب جناية وقد أدى بعض كتابته فإن الجاني عليه أن يدفع إلى ورثته بقدر ما أدى من كتابته دية حر ويدفع إلى مولاه بقدر ما بقي من كتابته دية عبد‏.‏ مثلاً إذا كاتبه على ألف وقيمته مائة وأدى خمسمائة ثم قتل فلورثة العبد خمسمائة من ألف نصف دية حر، ولمولاه خمسون نصف قيمته ‏(‏يودي المكاتب‏)‏ بضم ياء وسكون واو وفتح دال مخففة أي يعطي دية المكاتب ‏(‏بحصة ما أدى‏)‏ بفتح الهمزة وتشديد الدال أي قضى ووفى‏.‏ قال القاري وفي نسخة يعني من المشكاة بحسب ما أدى أي من النجوم ‏(‏دية حر‏)‏ بالنصب ‏(‏وما بقي‏)‏ أي ويعطى بحصة ما بقي عليه من النجوم ‏(‏دية عبد‏)‏ بالنصب قال الأشرف‏:‏ قوله يؤدي بتخفيف الدال مجهولاً من ودي يدي دية أي أعطى الدية وانتصب دية حر مفعولاً به، ومفعول ما أدى من النجوم محذوف عائد إلى الموصول أي بحصة ما أداه من النجوم يعطى دية حر وبحصة ما بقي دية عبد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أم سلمة‏)‏ أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عباس حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم الخ‏)‏ قال القاضي رحمه الله‏:‏ وهو دليل على أن المكاتب يعتق بقدر ما يؤديه من النجم‏.‏ وكذا حديث أم سلمة وبه قال النخعي وحده، ومع ما فيه من الطعن معارض بحديثي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏.‏ قال القاري‏:‏ يمكن أن يقال في الجمع بينهما وبينه على تقدير صحته تقوية لقول النخعي أنه يعتق عتقاً موقوفاً على تكميل تأدية النجوم لا سيما على القول بجواز تجزي العتق انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله قوله‏:‏ ‏(‏على مائة أوقية‏)‏ بضم همزة وتخفيف تحتية وقد تشدد وهي اسم لأربعين درهماً ‏(‏فأداها‏)‏ أي فقضى المائة ودفعها ‏(‏إلا عشرة أواق‏)‏ بفتح الهمزة وتنوين القاف جمع أوقية، ووقع في أكثر نسخ الترمذي عشر أواق بغير التاء وهو الظاهر ‏(‏ثم عجز‏)‏ أي عن أداء نجوم الكتابة ‏(‏فهو‏)‏ أي فعبده المكاتب العاجز، قال ابن الملك‏:‏ هذا يدل على أنه إن عجز المكاتب عن أداء البعض كعجزه عن الكل فللسيد فسخ كتابته فيكون رقيقاً كما كان، ويدل مفهوم قوله فهو رقيق على أن ما أداه يصير لسيده قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث غريب‏)‏ قال في المنتقى، بعد ذكر هذا الحديث، رواه الخمسة إلا النسائي انتهى‏.‏ وقال في النيل وأخرجه أيضاً الحاكم وصححه، قال الشافعي لم أجد أحداً روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمراً ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبته‏.‏ وعلى هذا فتيا المفتين انتهى‏.‏ قلت‏:‏ وأخرجه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً بلفظ قال‏:‏ المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم‏.‏ قال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ أخرجه أبو داود بإسناد حسن وأصله عند أحمد والثلاثة وصححه الحاكم انتهى‏.‏ وقال المنذري‏:‏ في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الخ‏)‏ وقع في بعض النسخ قبل هذا باب منه ‏(‏عن نبهان‏)‏ بفتح النون وسكون الموحدة زاد أبو داود مكاتب أم سلمة ‏(‏فلتحتجب‏)‏ أي إحداكن وهي سيدته‏.‏ ‏(‏منه‏)‏ أي المكاتب فإن ملكه على شرف الزوال وما قارب الشيء يعطي حكمه، والمعنى أنه لا يدخل عليها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكره أحمد والأربعة وصححه الترمذي انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم على التورع الخ‏)‏‏.‏ قال القاضي‏:‏ هذا أمر محمول على التورع والاحتياط لأنه بصدد أن يعتق بالاداء لا أنه يعتق بمجرد أن يكون واجداً للنجم فإنه لا يعتق ما لم يؤد الجميع لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المكاتب عبد ما بقي عليه درهم‏"‏‏.‏ ولعله قصد به منع المكاتب عن تأخير الأداء بعد التمكن ليستبيح به النظر إلى السيدة وسد هذا الباب عليه انتهى‏.‏